تتواتر هذه الأيام أنباء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وغيرها، لكن الغذاء يمس كل الناس بلا استثناء، وهناك إحساس أنه استغلال للوفرة المؤقتة التي في أيدي الناس جراء القرارات الملكية الكريمة. وإذا ذكر الغذاء تذكر استراتيجية الاكتفاء الغذائي الذاتي، الكامل أو الجزئي، ويصعد مفهوم الأمن الغذائي المطلق الذي يعني إنتاج الغذاء محلياً، وآخرون يتناولون الأمن الغذائي النسبي وهو توفير احتياجات الناس من السلع الغذائية الأساسية بشكل دائم وبأسعار في متناول الجميع، وهي نظريات قوضها بشكل أو بآخر ملف القمح الذي غامرنا في مرحلة تنموية معيّنة بمكاسب مالية ومائية وقبلنا بخسارتها في مقابل تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح رغم تفاوت وجهات النظر الاقتصادية حول المبدأ من جهة، وحول البدائل من الجهة المقابلة. قد تهتز ثقة الناس في السياسات التجارية أو سياسات الرقابة في وزارة التجارة حتى يتم إفهامهم أو التواصل معهم، وتوابع هذه الاهتزازات تصيب جميع القطاعات الحكومية دون استثناء، ومن المؤلم حقاً أن تكون سياسات الحكومة حريصة ومراعية للصالح، فيما سياسات الرقابة، والعقاب، لا تتمتع بالقدر نفسه من الجدية، والأكثر ألماً أن نلمح في ثنايا خطاب جهات معيّنة أنها تكتفي بحدود مسؤوليتها وعلى الجهات الأخرى المتابعة فهذه لغة عفا عليها الزمن. حرية الاقتصاد، مبدأ نعمل به، نظرياً على الأقل، لكن الشركات المستوردة، بتعاون من المصدرين، يجيدون الالتفاف على هذه الحرية، ولأنها أنظمة وقوانين من وضع البشر، دائماً ما تكون هناك ثغرات، يمكن لأصحاب الخبرة، و«المطنشين» النفاذ منها. لدينا استراتيجية وطنية للأمن الغذائي السعودي، غير معلومة التفاصيل لكنها على الأقل موجودة، وربما كشفت الأزمات الغذائية السعرية المتلاحقة الحاجة إلى مراجعتها، فيما سيجبر التلاعب في أسعار الغذاء على هذه المراجعة التي أتمنى أن تكون صارمة وواضحة، والأهم من ذلك كله معلنة بكل تفاصيلها على الملأ. ما يؤخر التحرك غالباً هو ثبات سعر الخبز، لكني أعتقد أن هناك سلعاً يمكن وضعها في مقام الخبز، والتعامل مع حساسيتها وتأثيرها على حياة الناس من هذا المنطلق. وتأتي أخيراً فكرة أو نقطة أن التجار والمستوردين مواطنون، ويأكلون مثلنا، ويشترون مثلنا، وهذا صحيح نسبياً، فهناك الكثير من غير المواطنين أولاً، وثانياً هناك مواطنون لكن تدار أعمالهم من غير المواطنين، أو من فئات لا تنوي الإقامة الطويلة في البلاد ولا يهمها أمن أهلها غذائياً. لا يعقل أن يكون رتم التفاعل مع قضايا أسعار الغذاء بطيئاً إلى هذا الحد، ولا يمكن أن تكون عقوبات الأسعار والتشهير خاصة بالحديد والأسمنت، ولا تمس المأكل والمشرب، وما هو ممكن أن يترك بعضنا الكسل والسلبية، ويبلّغ أولاً بأول، ويقاطع المحل، أو المنتج، في محاولة صغيرة لو تجمعت مع غيرها لأصبحت محاولة تأثير كبيرة. عزيزي التاجر... «بليز»... لا تمس رغيف الحب في وطني. محمد اليامي الحياة