كان صباحا عاديا جدا، فنجان قهوتي في مكانه المعتاد، وسهم «فأرة» الكمبيوتر يتنقل برشاقة بين روابط الصحف وأخبارها، وفجأة تدفقت الدماء بغزارة لمقلتي علها تبصر بوضوح أكثر قبل أن تكون الفرحة، التي بدأت بالفعل بمداعبة أطرافي، انتفاضة كاذبة. بحلقت مجددا في ذلك العنوان الصحفي ورجعت أتأكد من العنوان الإلكتروني للصحيفة ظنا أني كنت أتصفح صحيفة لدولة أخرى، ولكن كان كل شيء صحيحا. أيعقل هذا؟ ألقيت بنظري إلى هاتفي النقال لأتأكد أننا لسنا في اليوم الأول من يوم الكذب العالمي، الأول من إبريل، ولكن انصرفت عني تلك الفكرة عندما علمت أننا في شهر نوفمبر. كيف ومتى ولماذا وكل أنواع الأسئلة بدأت تتزاحم عبر خلايا مخي؟ رجعت للخبر الذي كان يتحدث عن إنهاء مشروع حكومي كلف مليارات، وتسليمه قبل نهاية المدة المحددة بشهرين! مستحيل! «هذا لا يحدث هنا» قلت في نفسي قبل أن أصرخ فرحا وأرقص حبورا وأنا أنادي على زملائي في المكتب «هلموا يا قوم، أبشروا! أبشروا! مشروع ينتهي قبل نهاية الفترة بشهرين اثنين»، على الرغم من أني أفسدت صباحهم الهادئ، وأفاق بعضهم من غفوة غلبته رغما عنه، إلا أنهم مثلي تماما، هرعوا إلى مكتبي غير مصدقين. وبينما هم يقرؤون الخبر، غبت في أحلام يقظة استفزها هذا الخبر الجميل، رحت أحلم كيف أن ضمائر منفذي المشروعات بدأت في الاستيقاظ من سبات دام طويلا، وتخيلت كيف سيكون لهذه المنهجية الجديدة في تنفيذ المشروعات من تأثير على معالم الوطن، بل تجرأت بأن أحلم أن تلك الصحوة ستطول العقول والقلوب والجيوب، وسنرى كل شيء يبنى ليدوم، وكل خطة توضع لتعمل، وكل وعد ليوفى. بدأت أحلامي الطماعة بالتجرؤ أن ترى كل شيء يتغير، عقليات البشر، الإنتاج الأدبي، الإعلام بل حتى التركيبة الاجتماعية، نعم ولم لا فما دامت المشروعات تنفذ بضمير فالباقي بسيط جدا، الأهم أننا تخطينا عقدة المال. لم أسترد الإحساس بواقعي، إلا على وكزة بالكتف من أحد زملائي بعثرت تلك الأحلام التي عشتها في لحظات صباحية قصيرة، وهو يقول ساخرا «الله يرجك ترى الشركة المنفذة يابانية!» قلت بعدها «أها!». محمد ال سرار شمس