في زمن الضجيج تتوه في خضمّه أرواحنا، وتتكسر على شواطئه نفوسنا. نبحث عن ذاتنا المهزومة التائهة في زمن الخوف. تلفحنا زمهرير الليالي الباردة المتشحة بظلمة شتائنا الجاف, عازفة تراتيل الموت على أنغام الرياح المتسللة إلينا, قادمة من البعيد حاملة معها أسرار غدٍ غامض يزيد من توجسنا بما يخبئه لنا القدر. ذلك المجهول الذي ننتظره كل لحظة في حياتنا حتى أصبح يشكل هاجسا مخيفا يحمل معه كل مرة ننتظره فيها خوفا جديدا يكبلنا بقيود الترقب لذلك المصير الغامض الذي يُدعى القدر. تتقاذفنا هواجسنا على شطآن المجهول لتعبر بنا سفينه للنجاة نحو الضفة الأخرى أو الغرق في أعماق بحر القدر. هل نحن من يصنع قدرنا؟ وعندما نسقط في تخطي الفشل ونعجز عن بلوغ النجاح نستل سيوف اللغة لنتلاعب بمفرداتها ونحوّر فشلنا على أنه مؤامرة القدر علينا ونتهمه بأنه من أعاقنا عن بلوغ غايتنا وسمو هدفنا. إلى متى ونحن نعزف على وتر المؤامرة عندما نخسر معاركنا مع الحياة؟ وإلى متى ونحن نعلق تبعات فشلنا وتراجعنا على شماعة القدر لكي نطلسم على السذج من عامة القوم أسباب تلك الهزائم والانكسارات حتى يتوهون في ضبابية الصورة الحقيقية لنا فينسون سر هزيمتنا؟ ذاتنا المنكسرة تحاول صنع نجاح وهمي تذره في عيون المترقبين والمتتبعين لشعارات معاركنا الوهمية مع أعدائنا الذين اختلقناهم في أذهان هؤلاء السذج فأصبحوا يصدقونها إلى درجة الإيمان بها كقضية قومية ليس لها في الواقع أي أساس بل نحن من صنعها. تلك التناقضات في ذاتنا ولّدت لدينا إنسانا مشوهاً تائهاً ليس لديه هدفاً في هذه الحياة لأنه لا يملك حق تقرير مصيره, فعاد القدر مرة أخرى ليأخذ مكانه في عقولنا ونفوسنا ويلغي قناعاتنا بأي سبب لفشلنا غير القدر. مسكين هذا القدر نحمله كل فشلنا وتخلفنا وانهزامنا لننتج في النهاية إنساناً هجينا بين الشك واليقين يختار الشك لأنه لا يثق باليقين ويتهم القدر لأنه عاجز عن اكتشاف حقيقة مأساته. حسين آل سالم صوت الاخدود