كلما استمعت إلى أم كلثوم تردد: «ذكريات عبرت أفق خيالي». طافت في ذهني تلقائيا صور عديدة لأحداث كثيرة تتداعى في الذاكرة، فيجرني ذلك إلى التساؤل بيني وبين نفسي حول طبيعة التذكر وعمل الذاكرة؟، هل نحن نتذكر الأشياء متعمدين أم أنها تفرض ذاتها علينا؟، أحيانا تطوف في أذهاننا بعض الصور والأحداث التي لم نتعمد تذكرها ولم نقصد استدعاءها، بل ربما تذكرنا ما لانود تذكره وما نحن حريصون على تحاشي وروده إلى خواطرنا، مما قد يكون فيه إيلام لنا وتكدير لصفو أيامنا. لكن الذكريات تبدو أحيانا كسلسلة ترتبط أطراف بعضها ببعض فيصعب في كثير من الحالات تجاهل بعضها والعمد إلى دفنها وعدم استحضارها، فتظل تتقافز أمام أعيننا رغبنا أم لم نرغب: (أريد لأنسى ذكرها فكأنما ،، تمثل لي ليلى بكل سبيل). بعض الذكريات، حتى إن أردنا دفنها، لها قدرة عجيبة على فرض نفسها علينا فتظل تبزغ أمامنا تتلألأ، رغما عنا على صفحات الذهن، وأغلب ما يظهر ذلك في ذكريات الحب المحترق، سواء لارتحال أحد الحبيبين أو زواجه أو موته أو خيانته أو غير ذلك من عوادي الزمن التي قد تجور فتحرق ما هو جميل ومزهر في الحياة. وتسلط الذكريات غير المرغوب فيها، يولد في نفوسنا صراعا موجعا بين رغبتنا في طمس الذكرى، وقدرتها الفائقة على تحدي تلك الرغبة ونجاحها في احتلال وجه الذاكرة كلما أرادت. ومن أجمل الصور الأدبية الممثلة لعجزنا وانهزامنا أمام قوة الذكريات ما كتبته غادة السمان في لحظة ضعف تبكي فيها زوجها بشير الداعوق الذي ارتحل وخلفها مغموسة في الجراح المحرقة لغيابه، غير قادرة على نسيانه أو السلو بعده: «حملت ذكراك وذهبت بها ماشية إلى القطب الشمالي ودفنتها هناك، وحين عدت إلى البيت، وجدتك جالسا بانتظاري!». حين تكون الذكريات منشبة أظفارها في أيامنا، يضحي الخلاص منها أمرا خياليا، فكل شيء يساندها ويفتح لها بابا واسعا تفد منه لتقلب الحاضر إلى ماض والماضي إلى حاضر، لكنه حاضر كقبض الريح. نتلفت من حولنا فنجد الصور القديمة والرسائل الملتهبة وألحان القصائد الطويلة، استحالت إلى جمرات وجدت لتوقد الحرائق في الصدر، تتقافز أمامنا فتعيد المناسبات، وترسم اللحظات ويعلو رنين الضحكات يجلجل في الفضاء، وتنساب الهمسات حالمة إلى الأذن، لكن الوجوه تبقى باهتة فاترة تتقلب بين رائحة موت الحب وقبضة الاكتئاب. ومنذ أن قال الصمة: «وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ،، على كبدي خشية أن تصدعا»، وإلى يومنا هذا ونحن يندر أن نجد حبيبا مفارقا يتذكر أيام الوصال ولا ينقبض لها ليزدرد المرارة في صمت أليم.. غادة السمان في صراعها مع الذاكرة تخيلت مكان تغيير ذاكرتها واستبدالها بأخرى خالية من كل شيء، تقول: «يوما بعد يوم، عاما بعد عام، أفتش عن (قطع تبديل) لذاكرتي لأنساك. وكيل قطع تبديل الذاكرة انتحر ليلة رأس السنة وترك رسالة تقول: ما من قطع تبديل لتجديد الزمن الهارب واستبدال ذاكرة الحب اللامنسي، وكل ما تملكه الآن هو (الآن)». فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة