احتياج المرأة السعودية للعمل، ليس حاجة ترفيهية أو كمالية كما يعتقد البعض، بل هو في الأساس متطلب معيشي قد يصل لأن يكون لسد رمق أسرة بكاملها، وهذا ما يتجاهله للأسف بعض المعارضين لعملها. إن الحديث عن قضايا المرأة ومشاكلها وحقوقها تواجه عقبات ومنزلقات متعددة، أقلها صب الاتهامات والتشكيك في الآخر، فمن ذلك على سبيل المثال العبارات التي تردد من حين إلى آخر كقول البعض: "دعاة حقوق المرأة يريدون الوصول إليها"، وقولهم أيضاً: "يريدون أن تشيع الفاحشة بين المسلمين" إلى آخر قائمة تلك الاتهامات الجاهزة للرد على من يخوض في قضايا المرأة وحقوقها. ومن تلك القضايا الشائكة التي تتعلق بالمرأة والتي أثير حولها الكثير من الجدل هي قضية عملها ومشاركتها في النشاط الاقتصادي، وخاصةً بعد القرارات الملكية الأخيرة المتضمنة تأنيث المحال التجارية التي تعنى بالمستلزمات النسائية. احتياج المرأة السعودية للعمل، ليس حاجة ترفيهية أو كمالية كما يعتقد البعض بل هو في الأساس متطلب معيشي قد يصل لأن يكون لسد رمق أسرة بكاملها وهذا ما يتجاهله للأسف بعض المعارضين لعملها، فهم يرون سلبيات عمل المرأة من زاوية ضيقة جداً. هم أولاً ينظرون إلى سلبيات محتملة وغير واقعية حتى يبرروا اعتراضهم على ذلك، فهم يرون أن خروج المرأة للعمل سيزيد من بطالة الرجال الذين هم أولى من المرأة بذلك، كما أن عملها سوف يؤثر بالسلب على تربية أبنائها والقيام بأعبائها الأسرية، ناهيك عن احتمالية اختلاطها بالرجال والمساوئ المترتبة على ذلك، لتصبح هذه الاحتمالات من أكبر العقبات التي تواجه عمل المرأة بشكل عام، مع تجاهل واضح لأهم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها المرأة في حياتها مثل الفقر والطلاق والعنف والعنوسة.. هذا من جانب. ومن جانب آخر هناك أيضاً تجاهل للأبعاد الإيجابية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الأخرى لعمل المرأة السعودية، التي تحتم علينا أخذها في الاعتبار عند تحليل ودراسة القضايا الاجتماعية. وبالتالي فإن الحديث عن حقوق وقضايا المرأة، هو الحديث عن حقوق إنسانية كفلها الشرع والإسلام سواء للرجل أو المرأة، والعمل يعتبر من الحقوق الشرعية للإنسان بشكل عام، والتاريخ الإسلامي مليء بالأدلة والقصص التي تحكي عن مشاركة المرأة في العمل جنباً إلى جنب مع الرجل، ولا مجال لذكرها هنا لأني أعتقد أن الجميع يعيها جيداً. لن أتحدث هنا عن القيم المجتمعية والنظرة السلبية إلى المرأة رغم أهميتها وتأثيرها عليها، كما أنه لا أحد ينكر أن بعض التغيير المجتمعي الذي أتاح للمرأة فرصة العمل وإن كان ذلك في حدود، أتاح لها في نفس الوقت فرصة الكسب، ولكن في مجال ضيق أيضاً، ويعد ذلك من أهم التحديات التي تواجه خطط التنمية للدولة، والتي يفترض أن تكون من أولوياتنا عند الحديث في قضايا المرأة لذا سوف ألقي الضوء في هذه المقالة على هذه التحديات. بمراجعة سريعة لخطة التنمية التاسعة للدولة، فقد تضمنت فصلاً خاصاً عن المرأة السعودية وجاء فيه أنه رغم التقدم في الأوضاع الصحية والتعليمية للمرأة، لا تزال مشاركتها في النشاط الاقتصادي محدودة عند مقارنتها بإجمالي عدد النساء في سن العمل أو إجمالي قوة العمل، وتضمنت الخطة أيضاً أن مشاركة الإناث في سوق العمل يتركز في قطاع التعليم بنسبة عالية جداً تقدر ب (78%) من إجمالي الموظفات في سوق العمل السعودي، وبنسبة (85%) من حاملات الشهادة الجامعية، وهذا يعني تركز فرص العمل في قطاع التعليم، مما أدّى ذلك إلى التوصل إلى مراحل الاكتفاء من هذه المهنة (أي التعليم)، وبالتالي تواجه المرأة السعودية صعوبة في الحصول على الوظائف التي تحقق طموحاتها، كما تطرقت الخطة أيضاً لموضوع البطالة بين النساء في المجتمع، وعلى هذا الأساس كانت الأهداف العامة والسياسات التي تتعلق بعمل المرأة على النحو التالي: • تمكين المرأة السعودية من المشاركة في تحقيق أهداف التنمية. • تطوير إسهام المرأة في النشاط الاقتصادي، وتأمين الخدمات المساندة لتمكينها من المشاركة. • تشجيع النساء على العمل في النشاط الاقتصادي والاجتماعي وتوفير التسهيلات لحصولهن على القروض. • اعتماد تدابير محددة للتصدي لبطالة الإناث وخاصة المتعلمات منهن. • تحفيز الإناث للتوجه في التعليم العالي نحو التخصصات التي تتفق مع احتياجات سوق العمل. • قيام الجهات الرسمية والجمعيات الأهلية بحملات إعلامية لزيادة التقبل الاجتماعي لمشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي. ومما سبق يلاحظ وجود استراتيجية قوية وواضحة بشأن توسيع مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي للدولة وفي تحقيق أهداف التنمية، ولكن ماذا عن التنفيذ؟! ومن المسؤول عن تحقيق هذه الأهداف؟. بالطبع ليست هناك جهة واحدة فقط مسؤولة عن تحقيق وتنفيذ هذه الخطط وهذه الأهداف، بل مؤسسات الدولة وجميع فئات وقطاعات المجتمع مسؤولة عن تحقيق ذلك. ففي القطاع الحكومي جميع الوزارات والمؤسسات العامة يجب أن تضع في خططها التشغيلية هذه الأهداف كأولويات استراتيجية، سواء في عملية التوظيف في إداراتها أو حسب اختصاصاتها في هذا المجال، فعلى سبيل المثال تقوم وزارة العمل في تحقيق الهدف المتعلق بالتصدي لبطالة النساء ووضع الآليات اللازمة لتنفيذ ذلك، بالإضافة إلى التوسع في توظيف النساء في الوزارة. كما تقوم وزارة الإعلام ووزارة الشؤون الإسلامية ووزارة التربية والتعليم على سبيل المثال بتحقيق الهدف المتعلق بقيام الجهات الرسمية والجمعيات بحملات إعلامية وتوعوية لزيادة التقبل الاجتماعي لمشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي. ويأتي دور وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة وغيرهما في منح وتفويض مزيد من الصلاحيات والمهام الإدارية للنساء العاملات في جهاتهم، وبالطبع لا ننسى دور الشركات والمؤسسات في تفعيل مشاركة المرأة في أعمالها وأنشطتها، هذا بالإضافة إلى دور الأجهزة الرقابية وخاصة ديوان المراقبة بعمل مهام استراتيجية لمراجعة تنفيذ وتحقيق أهداف خطة التنمية التاسعة والمتعلقة بعمل المرأة. سطام عبدالعزيز المقرن صحيفة الوطن