نسمع كثيراً من يتكلم عن إدارة التغيّير، ومدى أهمية مواكبة التغيّيرات المحلية والعالمية، ونعرف جميعاً عواقب عدم مواكبة التغيّيرات المتسارعة محلياً وعالمياً، وشاهدنا الكثير من المنظمات كانت ملء السمع والبصر إلا إنها اختفت أو تراجعت، فلماذا التغيّير وهل نحن بحاجة لإدارة وتخطيط التغيّير؟! في عام 1988،كانت كوداك توظّف 170 ألف موظفاً وتبيع 85% من الصور الورقية في العالم، بعدها بسنوات قليلة أفلست الشركة وفقدت قوتها وقدرتها التنافسية، ما حدث لشركة كوداك سيحدث لكثير من القطاعات في السنوات العشرة القادمة، ولكثير من الأشخاص، فالتحول الرقمي السريع وتطورات الذكاء الإصطناعي أصبحت تقود التغيّير العالمي بوتيرة متسارعة وستختفي كثير من الصناعات التقليدية في مدة زمنية تتراوح بين خمس وعشرة سنوات حسب أغلب التقديرات، فعلى سبيل المثال شركة (Uber) أكبر شركة تاكسي في العالم، وهي لا تملك سيارة واحدة، وشركة (Airbnb) أكبر شركة فندقة في العالم، وهي لا تملك عقاراً واحداً، ولكنهما يملكان التفوق المعرفي والرقمي الذي مكنهما من هذه الريادة. وفي مجال الذكاء الاصطناعي أصبحت الحاسبات تفهم أكثر واقتربت من محاكاة العقل البشري، فشركة فيسبوك تمتلك برمجية تعّرف على الوجوه بدقة أعلى من قدرة الإنسان، ومن المتوقع أن يتغلب ذكاء الآلة على ذكاء البشر في عام2030. وفي مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد، انخفض سعر الطابعة الواحدة من 1800 دولار إلى 400 دولار في عشرة سنوات فقط، وبسرعة مضاعفة، وبدأ استغلال هذه التقنية، في صناعات الطائرات والمحطات الفضائية، ومع نهاية هذا العام، سيتم إنتاج هواتف ذكية بخاصية (3D Scanning)، وفي الصين استطاعوا مؤخراً صناعة مبنى كامل من ستة طوابق بخاصية الطباعة ثلاثية الأبعاد. وبحلول عام 2027، سيصبح 10% مما تصنعه دول العالم قاطبة باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد. وفي مجال التعليم بلغت التقديرات في عام 2020، بإمتلاك 70% من البشر هاتفاً ذكياً، وهذا يعني أن الجميع سيكون لهم القدر ذاته من التعليم عالي الجودة ومن خلال هاتفه فقط. وكذلك التوسع في التعليم عن بعد مقابل التعليم التقليدي ؛ واستخدمت تقنيات الذكاء الإصطناعي في قياس تعلم الطلاب وتفاعلهم مع المحتوى التعليمي وقياس المؤشرات التعليمية. وفي مجال الصحة سيتم إنتاج برمجيات تقيس مؤشراتك الحيوية من خلال هاتفك، وبناءً عليه سينال كل إنسان عناية صحية عالية الجودة، وكل ذلك عبر الهاتف ؛ وهذا سيساهم في زيادة عمر الإنسان على كوكب الأرض حيث تقدر حالياً الزيادة في عمر الإنسان التقديري بمقدار ثلاثة شهور كل عام، وفي عام 2036، ستصبح هذه الزيادة عاماً كاملاً كل عام، أي أنه من المقدر مستقبلاً أن يعيش معظم البشر لفترات تزيد كثيراً عن 100عام، ويوجد حالياً تطبيق يخبرك عن مزاجك الحالي من خلال معالم وجهك، وسينتج مستقبلاً تطبيقاً على الهواتف الذكية لكشف الكذب من خلال معالم الوجه، تخيل أثر هذا التغيير على إدارة الموارد البشرية، وأنت قادر على معرفة الصادق من الكاذب من خلال هاتفك. وفي مجال فرص العمل خلال العشرين سنة القادمة يقدر أن 70_80% من فرص العمل الموجودة حالياً ستختفي، وستظهر فرص ومجالات عمل أخرى جديدة، وسيكون العمل عن بعد حاضراً في كل المجالات ؛ وبناءً عليه سيتغير قطاع العقار كذلك، لأن الكثير سيفضل الإقامة في أماكن بعيدة عن المدينة طالما فرص العمل من البيت سانحة ومتوفرة. إذاً التغيير ضرورة وحاجة في حياة المنظمات والمجتمعات لضمان البقاء والاستمرارية والمنافسة، ولكن هذا التغيير يحتاج إلى تخطيط وإدارة علمية حتى يكون تغيراً ايجابياً ملائماً لمتطلبات الحاضر والمستقبل وهذا يتطلب التخطيط الجيد، والدقة في تحديد الأهداف، واختيار نموذج التغيير الملائم لإحتياجات المنظمة واختيار فريق التغيير المناسب والمتوافق مع متطلبات المرحلة والمستقبل والذي لديه شغف الإنجاز والتطوير، كذلك يتطلب التغيير عملية إدارة المعرفة والمعلومات، ونظم المتابعة والرقابة الجيدة ويُعد أهم دعائم التغيير والتطوير هو العنصر البشري من خلال قدراته الفكرية الإبداعية ومهاراته الحديثة التي تتلائم مع متغيرات العالم الرقمي الحديث.