إدارة السعادة على المستوى الشخصي أو المستوى الوظيفي هي من المتطلبات الحديثة التي فرضتها متغيرات وطبيعة الحياة المعاصرة والتي تتسم بارتفاع مستوى الضغوط وسرعة الإنجاز لمواكبة سرعة التغييرات . والسعادة الوظيفية والتي هي محور حديثنا هنا تتمحور على خلق بيئة تنظيمية تعزز سعادة العاملين وترفع مستوى الولاء التنظيمي وتجعلهم أكثر دافعية للإنجاز. وقد كشفت الأبحاث التي أجرتها جامعة وارويك البريطانية أن إنتاجية الموظفين السعداء أعلى بنسبة 12٪ من إنتاجية زملائهم الأقل سعادة. وهذا يوضح أهمية السعادة لزيادة انتاجية الموظفين، مما عدد من الشركات والمنظمات العالمية إلى استحداث وظيفة مدير السعادة(COH)،حيث ظهرت هذه الوظيفة لأول مرة في شركات وادي السليكون في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وانتقلت بعد ذلك إلى العديد من الشركات في أوروبا ودول العالم الأخرى، وعملت شركات مثل (جوجل) و(فاليو) و(ماونتن فيو) على تطبيق ما يُعرف "بثقافة المرح-fun company culture"، وهي من الأساليب التي تحول العمل من مجرد جهد إلى فن وشغف ونشاط إبداعي، وتنعكس على حب الموظفين للشركة وزيادة الدافعية والإنتاجية، وقد طبقت بعض الدول العربية هذه الفكرة حيث بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة بتعيين أول وزير للسعادة، وأصبحت هذه الوظيفة أساسية في هيكلة الإدارات والمؤسسات في دولة الإمارات. ومن الجهات المحلية التي استحدثت وظيفة مدير ( للسعادة ) وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ثم وزارة الصحة وبعض شركات ومؤسسات القطاع الخاص. وتتلخص المهمة الأساسية لمدير السعادة في المنظمة في ( تلطيف ) الجو العام داخل المنظمة من خلال أنشطة وفاعليات مختلفة،لإضافة أجواء المرح، وتحسين الحالة المزاجية للموظفين، وبالتالي زيادة الانتاجية وتعزيز روح العمل الجماعي وفريق العمل الواحد من خلال ايجاد علاقات عمل صحية وأخوية واهتمامات مشتركة. ورغم أنه لا يوجد وصف وظيفي محدد لهذه الوظيفة على مستوى العالم، وبالتالي يُمكن لأي منظمة أن تقوم بتشكيل مهام مدير السعادة حسب قيّمها ورؤيتها وأهدافها، إلا أنه بناء على التجارب العالمية هناك مجموعة من المهام الوظيفية الأساسية لمسؤول السعادة من أهمها مايلي: 1_ التنسيق مع الإدارة العليا للمنظمة حول تطوير وتطبيق السياسات التي تضمن تحفيز الموظفين بطرق تتلاءم مع ثقافة المنظمة وقيّمها. 2_وضع برامج مختلفة تهدف إلى تطوير ثقافة المنظمة، والارتقاء ببيئة العمل من خلال إضافة بعض المزايا الغير مالية للموظفين. 3_طرح اقتراحات لرفع مستوى السعادة في مكان العمل من خلال الأنشطة الترفيهية مثل: النزهات والألعاب والمسابقات والفعاليات وغير ذلك. 4_مساعدة الموظفين على بناء أهدافهم الشخصية التي ترتبط مع رؤية وهدف المنظمة، مثل : تطوير القدرات والارتقاء الوظيفي وتعلم مهارات جديدة في مجال العمل. 5_تنسيق جلسات وورش العمل ودورات بشكل منتظم حول موضوعات تتعلق بالسعادة في مكان العمل، والحرص على إشراك الموظفين فيها بفعالية. 6_تقديم الاستشارات الشخصية للموظفين الذين يحتاجون إلى المساعدة في المسار الوظيفي، أو التغلب على الضغوطات المختلفة في العمل. 7_اقتراح أي كتب أو مواقع أو مقاطع فيديو للموظفين تهدف إلى تثقيفهم حول مفاهيم السعادة في المنظمات، وطرح آخر المستجدات في هذا المجال. 8_الاستماع إلى الموظفين لمعرفة أهم المبادئ التي تجعلهم سعداء، وتضمينها في أهداف المنظمة. 9_دراسة وتحليل مستوى رضا وسعادة الموظفين في المنظمة من خلال الدراسات الفردية والجماعية، وتقديم تقارير مستوى السعادة للإدارة العليا، وتقديم المقترحات والتوصيات التي تنعكس على تحسين أداء الموظفين وسلوكياتهم. والقيام بهذه المهام، يتطلب من مدير السعادة أن يتمتع بالعديد من المهارات التي تساعده على أداء هذه الوظيفة بفعالية، ومن أبرز المهارات التي يجب توافرها في مسؤولي السعادة في المنظمات ما يلي: - أن تظهر عليه روح المرح والفكاهة والطاقة والنشاط. - أن يمتلك القدرة على العمل الجماعي؛ لأن أغلب مهامه قائمة على التنسيق مع مختلف الإدارات والوحدات في المنظمة. - أن يمتلك قدرات عالية من مهارات الاتصال والتواصل. - أن يكون لديه القدرة على الاستماع ، والذكاء العاطفي، والقدرة على تكوين العلاقات الإنسانية. - أن يكون ملماً بالثقافات المختلفة للموظفين داخل المنظمة. - أن يكون لديه القدرة على حل النزاعات وإرضاء كافة الأطراف. - أن يمتلك الإبداع والحلول المبتكرة لإدارة التغيير داخل المؤسسة. وقد ذكرت (Liz Fielder) مدير عام المرح في وكالة (Articulate Marketing) البريطانية، والتي تعد من أبرز الشركات المهتمة بهذا الدور، أن هناك مجموعة من الأمور التي ينبغي على مديري المنظمات مراعاتها قبل تعيين مدير عام للمرح والسعادة في منظماتهم، لضمان نجاح هذا الدور، ومن أهما ما يلي: يجب أن يكون لديك رغبة صادقة وإيمان قوي بهذا الدور، فلا تتعامل مع وظيفة مسؤول السعادة على إنها وظيفة هامشية، ويجب أن تمنحه الدعم الكافي للقيام بدوره. لا تقم باختيار وتعين أي موظف من موظفي الموارد البشرية فحسب، لأن مسؤول السعادة في المنظمة يجب أن يتمتع بمهارات وسمات خاصة وأن يكون لديه اهتمام حقيقي بهذا المنصب. عند تعين مدير عام للسعادة في منظمة توقع أن هناك أشياء ربما لن تعجبك في منظمتك، لأن وظيفة هذا الشخص تتضمن اكتشاف المشاكل التي يعاني منها الموظفين، وتقديم توصيات لمعالجتها. ثقافة المرح داخل المنظمة لا تنحصر في مهام مسؤولي السعادة فحسب؛ فهي بمثابة اتجاه عام داخل المتظمة؛ إذ ينبغي على المديرين أيضًا أن يكون لهم دور في هذه الثقافة من خلال تطبيق ما يطلق عليه (الإدارة المرحة)، والتي تساعد على التخفيف من حدة وضغط العمل، وإكساب الموظفين مهارات جديدة وزيادة معدلات الإنتاج، وإرضاء العملاء بأفضل وأنسب طريقة. وأخيراً، على مديري السعادة في المنظمات الاهتمام والعناية بسعادة المدير، حتى لا يفقد مدير السعادة سعادته وتذهب السعادة الوظيفية المؤسسية في مهب الريح...ألا هل بلغت اللهم فأشهد.