بقلم أ. خليل الصعّاق في زمن السرعة و المادة و الضوضاء و ضغوطات العمل وزخم المعلومات وتوقعات المجتمع ومواقع التواصل الاجتماعي بغثها وسمينها , كل هذه العوامل وضعت الانسان تحت الضغط الاجتماعي والنفسي والخواء الروحي , مما سبب العديد من الحالات المرضية مثل الاكتئاب و القلق والتوتر واضطرابات النوم والأرق وغيرها .. لجأ الانسان الغربي هرباً من ضغوطات الحياة في ظل الفراغ الروحي الذي يعانيه, الى ممارسة الطقوس الهندوسية والبوذية القديمة , التي تستخدم التأمل واليوجا كوسيلة لإيجاد السلام الروحي والعقلي وتصفية الذهن من الطاقة السلبية واكتساب طاقة إيجابية تساعد على مواجهة الحياة اليومية . التأمل واليوجا و فتح الشاكرات ( مسارات الطاقة في الجسم ) والكارما (الأفعال المرتبطة بالنوايا) وتنظيف الداتا (التخلص من المشاعر السلبية) والاتصال باللحظة ، هي مصطلحات متداولة اليوم بين أوساط الشباب , ولا أدري إن كانوا يعلمون عن أساس بعض هذه المفاهيم كممارسات وطقوس دينية وثنية . ولإيماني الراسخ بإذن الله تعالى أن الدين الإسلامي لم يترك خيراً الا ودلنا عليه, وجدت تشابها بين طقوس اليوجا والتأمل وعبادة الصلاة التي يمارسها المسلم خمس مرات في اليوم والليلة, فإذا كانت اليوجا تبدأ بالتنفس الهادئ والتركيز, فإن المسلم مطالب بالهدوء قبل الدخول في الصلاة , وحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام (إذا سمعتم الإقامة, فامشوا الى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا ..) خير دليل على أهمية الطمأنينة والحفاظ على تنفس هادئ قبل الشروع في الصلاة, وما يسبقها من وضوء هو في الحقيقة استعداد ذهني وبدني للدخول في هذه العبادة . وإذا كان التأمل هو (العقل واضح ومسترخي و مركز داخليا, لا ينصب تركيزه على العالم الخارجي او على الاحداث التي تدور حوله ) , فالصلاة بعد التكبير هي انقطاع من الدنيا واتصال بالعالم العلوي, هي مناجاة بين العبد وربه يتخلص فيها العبد من عالم الماديات المحسوس من حوله , لترتقي روحه الى الملكوت الأعلى . وعلى مستوى الممارسات البدنية وجدت في اليوجا حركات تسمى Ardha Uttanasana و Balasana و Varjasana وهي حركات شبيهة تماما بحركات الركوع والسجود وجلسة ما بين السجدتين , والتي من فوائدها حسب اليوجائيين تهدئة العقل وتقوية العمود الفقري وتخفيف الام الظهر ومقاومة الام المعدة وتحفيز الجسم على الاسترخاء. قد يتحرج البعض من ذكر الفوائد الجسدية للصلاة خوفا من ان تتحول الصلاة الى رياضة, وهذا مثل الذي يتحرج من ذكر فوائد الصوم على صحة الإنسان وهي في الحالتين عبادة نتعبد الله بها . ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ العنكبوت 45, العبادة التي تقوي فيك الجانب الأخلاقي هي تنظيف للداتا وتحسين للكارما, (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًاإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا) سورة المعارج. والعبادة التي تبث فيك الأمان هي استقرار نفسي . عندما يقول محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى (ارحنا بها يا بلال) ففي تلك العبادة الراحة والطمأنينة والاستقرار والسلام الداخلي , شرط أن تقوم بها كما اٌمرت , بأركانها وواجباتها. ان تقوم بها مقبل بقلبك وجوارحك تعلم ما تقول وتستشعر ما تفعل . والآن يا صديقي .. استمتع بصلاتك , فليس لعبادة فرضت في السماء السابعة إلا أن تكون مصدر للسلام والطمأنينة وفاتحة للشاكرات و منظفة للداتا و محسنة للكارما ومتصلة باللحظة . أخصائي وباحث اجتماعي.