د/سلمان حماد الغريبي يا ساكن القلب قبل البيت ياأبتي . . . ما للبيت من بعد رحيلك . . قد أظلم . . . يامن كنت فيه النور . . والروح . . والبلسم . . رحلت عنّا . . دون وداع . . وجعلتنا من بعدك . . في ضياع . . زادت همومنا ، وافترقنا وقلوبنا أصبحت كلها أوجاع . . بتنا – نحن – والعيون في كل زاوية تترقب . . وكلها رجاء . . لطرف نداء من صوتك الحاني يأمرنا بشيٍء ما . . لِنهب جميعاً ؛ لتلبية هذا النداء مهما كان . . لعل . . وعسى من خيال صوتك – يامن فقدناه – تعود لنا الحياة . . نّم قرير العين ، فما بعد الحياة وجمالها معك يا أبتي حياة . . فأنتَ الحياة بلا حدود . . وكل شيء جميل في الوجود . . ولكن . . . هذه هيَ الحياة تُعطي ، وتأخذ بلا ميعاد – بأمر من الله الرحيم الودود . . وما بأيدينا لك اليوم – يا ساكن الروح – سوا الدعاء . . فروح وريحان في جنة عدن تجري من تحتها الأنهار . 》عن الأب يعجز اللسان عن الكلام . . . والعقل عن التفكير . . . والقلب عن التعبير . . . ففي ثالث يوم عزاء لوالد صديق عزيز – بعد أن أخذ في خاطرهِ مني لتأخري عليه في تقديم واجب العزاء وبعد أن أوضحت له أنني كنت في مهمة عمل خارج البلاد، وإنني حضرت إليه الآن مباشرة من المطار ، فوضع رأسه على كتفي يعتذر وانا اعتذر وأخذ يجهش بالبكاء ، وهو يقول : ( الأب أخي الحبيب ) ما يحس بعظمته ، وحنانه المكنون إلا من فقده . . رحلّ عنّا – أخي الحبيب – عامود البيت . . . ونوره . . وأمانه . . . كان أساس كل شيء ، فلما رحل . . انهدم كل شيء . . . فما أن . . . وضعت جسده الطاهر داخل قبره ؛ حتى تمالكني شعور غريب لم أشعر به من قبل حتى ظننتُ أن قلبي تحرك من مكانه .. فما أحلى قسوته . . ونبرة صوته الذي كان يهز أركان المكان . . فليته – أخي الحبيب – يعود ؛ لِتعود معه حلو الحياة . . نعم . . . فقدناه وفقدنا كل جميل ، حرصه ، وخوفه علينا ، ومتابعتنا في كل صغيرة وكبيرة صغاراً . . وكباراً . . متزوجين ، وغير متزوجين . . علمنّا . . . معنى الحياة ،ودروبها . . وفكر عنّا في مستقبلنا قبل أن نفكر نحن فيه . . وهو الأمان الذي نفتقده في كثير من الأحيان . . وعندما رحل بلا ميعاد انطفأ النور الذي كان يضيء لنا الحياة . . والنبع الصافي من قلب حاني يروينا حباً وحناناً . . فهذا أخي الحبيب والله لإحساس صادق من مجرب فقد حبيب غالي بلا ميعاد . . راجياً أن يصل إلى قلب كل من كان أباه على قيد الحياة ، ففقدك لأبيك معناه – أن تحس بمعنى الوحدة من أول ليلة يفارقكم فيها وحيداً في قبره ، وتحس بحزن عميق نابع من قلبك يملأه الشعور بالضياع . . والفراغ . . والوحشة ، مع كل متع الحياة التي تحيط بك من كل مكان من مال ، ومنصب ، وسلطان . . إحساس أحسسته من أول وهلة فقدتُ فيها أبي ، ولا يشعر بها إلا من جربها ، وعاش فصولها مهما كان الأب قاسياً ، وحريصاً ، فقسوته مهما كانت ظاهرة ، فنيته لك صلاحاً وفلاحاً ، وفي قرارة نفسه حباً وحناناً . . لا تستطيع وصفه بكل المقاييس مهما كان ، وحرصه عليك أمان لك من الضياع ، وعدم مرافقة أصدقاء السوء ، وأن تكون أفضل منه مهما علا شأنه وكان . . فهذه نصيحة أخ فقد أباه مع كل ما عاناه . . فقد قوته وفخره وحرصه الدائم على الحفاظ على أركان البيت قائماً . . متماسكاً حتى آخر لحظة في حياته . . فهنيئاً لمن كان أباه على قيد الحياة . . نعمة من الله عز وجلّ من أحسن له فاز بالدنيا والآخرة ، وكان له سعادة في أبنائه يبروه كما كان باراً به ، ورضاً من الله يوم يكون الحساب . . فاللهم . . احفظ كل أبٍ مازال على قيد الحياة ، وأمده بالصحة والعافية والسلامة وراحة البال ، وحسن الختام . . وأغفر وأرحم كل أب فقدناه ، وأجعل الجنة مثواه بغير حساب أو سابق عذاب ، وعافهِ وأعفُ عنه ، وأكرم نزله ، ووسع مُدخله ، وأغسله بالماء والثلج والبرد ، وأبدله ياالله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خير من أهله . . . يا صاحب الجود والكرم يا منّان ياغفار ياذا الجلال والإكرام ياحليم ياحكيم يا قديم الإحسان لاإله إلا أنت سبحانك وحدك لاشريك لك عليك إتكالنا وإليك منابُنا وأنت ربُّ العرش العظيم.