عبدالمحسن محمد الحارثي شخصٌ بغابةيُقطِّع الشجر بصورة متواصلة ، ومنشارُهُ قد ثُلِم، ولا يزال مواصلاً دون التفكير في حدِّ منشاره ، وهذا ما سرق منه وقتاً طويلاً في قصِّ الشجر! لقد أنهك جسده من جهة دون راحة ، وأعطب آلته دون حدِّها ، فهو يرى أنْ ليس أمامهُ وقت للراحة ، وحتّى لإصلاح عطب منشاره. فالسيّارةُ مثلاً : لا يمكن أنْ تستمر في السير دون أنْ تجد وقتاً لتملأها بالوقود؛ لتستمر في السير ، وفي نفس الوقت لا يمكن أن تواصل السير دون وقت للراحة والنوم! هكذا الحياة الدُّنيا مكدّة ، فكم من الأشخاص يتمنون ، وهُم على فراش الموت ؛ لو كانوا قضوا مزيداً من الوقت ليعملوا ويتصدَّقوا ، ويوازِنوا بين الضروريّات .. ولكن هل هذاممكن؟ الفعاليّة الحقيقيّةتكمن في الموازنة ، بين المستلزمات والضروريّات ، وهذا التوازن والإشباع المتوافق يُحقِّق الراحة والسعادة لهُ في الدنيا والآخرة. قال تعالى:( وابتغِ فيما آتاك اللهُ الدّارَ الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا). يقول أحد الناجحين:( إنني أعملُ بجد ونشاط ، لذا فإنني أستحقُّ وقتاً للراحة والمُتعة). على الإنسان أنْ يعمل لأجل الدارين ، فالدنيا مزرعة للآخرة ، فليس منّا من ضيّع دنياه لآخرته ، ولا آخرته لدنياه! فما أجمل الإسلام الذي وازن بين الدنيا والآخرة، وبين الروح والجسد ، فأعطى للبدن حقه ، وللروح حقّها ..فهو دين دنيا وآخرة. وللصدقة درجات ، حيثُ يرتفع قدر الصدقةِ بارتفاع مكانها ، كذلك الرجال فهُم كالأرقام : تختلف أقدارهم باختلافِ مواقعهم! فإذا انخفض عقلُ الإنسان ، وابتعد عن تمييز الأولويات ، وأصبح لا يُفرِّق بين ما هو حسنٌ وقبيح ، فإنّه يكون أقرب لعالم الحيوانات. أحياناً أُفكِّر ، وأبدأ في الفلسفة ؛ فليست الفلسفة مُقتصرةً على الفلاسفة ، فما دُمتُ أُفكِّر وأُعبِّر فأنا فيلسوف! وأختارُ لحياتي نهجاً وطريقة. والخيرُ والشر في طبيعة الإنسان كما المدٌُ والجزر في البحر ، ولكن عليه أنْ أُوازن بين خفض الباطل وعلو الحق . ولنعلم أنّ السرَّ لا يكمن في ترتيب جدول أعمالك حسب الأولوية ، وإنّما في جدولة أولوياتك!