ففي كل يوم نقرأ ونسمع عن أخبار الراحلين من الدنيا الفانية، إلى الآخرة الباقية، فلا هم يعلمون ميعاد موتهم، ولا كيفية نهايتهم، ولا نحن نعلم من سيرحل بعدهم، وماذا سيحدث لنا خلفهم. إن لكل فرد حياة مقدرة مقضية، ومدة محددة غير معلومة، ثم يأتي الموت فجأة دون سابق إنذار؛ فيقف الجميع عاجزين عن منعه ورده، غير قادرين على تأخيره أو تأجيله. ولن يمنع الموت مال ولا دعاء، ولن يرده طبيب ولا دواء، ولن يفيد فيه جاه ولا سلطان ، ف(كل نفس ذائقة الموت )، و( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ). والموت هو خروج الروح من الجسد، وانفصال النفس عن البدن، يقع بغتة على جميع المخلوقات ، الفقير والغني، الصحيح والسقيم، الكبير والصغير، الرئيس والمرؤوس، حتى الملائكة تموت؛ كما يموت الإنس والجن، ف( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ )، (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام). وللموت أسباب مفجعة، وحوادث مؤلمة، وفيه كل الصفات المرعبة، والسمات المفزعة؛ إذا أطبق على الجسم؛ صعدت منه الروح، وانهارت النفس، وسكن التنفس، وتوقف القلب، وانتهى النبض، وتعطل الدماغ، وارتخت معه جميع الأعضاء. وإذا وقع الموت على أحدنا قامت قيامته، وتعرض لسكراته الشديدة، وحشرجته الأليمة، وقد روي أن الموت أشد من ضرب بالسيوف، ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، فيا خالقنا الرحيم؛ هوّن علينا سكرات الموت وكرباته، وضمة القبر وظلماته. وعن حالة جسم الإنسان إذا أدخل القبر ؛ فإنه في أول ليلة يبدأ في التعفن ، ويظهر عليه اللون الأخضر، ثم يبدأ بعد يومين في التورم والانتفاخ، مع خروج رائحة كريهة منتنة ؛ بعد أن كان طيب الرائحة، نظيف الجسم، جميل المظهر. ثم بعدها بأيام؛ سيغطي الدود كل الجسد، وإذا مرت ستة أشهر تقريباً؛ فلن تجد سوى الهيكل العظمي للجثة، ثم يتحول هذا الهيكل بعد ربع قرن إلى بذرة، وداخل هذه البذرة ستجد عظماً صغيراً يسمى:( عجب الذنب)، هذا العظم هو الذي سنبعث من خلاله يوم القيامة. ولعل من أهم البشائر الدالة على حسن الخاتمة للإنسان: نطقه للشهادة عند الاحتضار، أو الموت شهيداً، أو الموت صابراً محتسبا بسبب أحد الأمراض، أو نتيجة لغرق، أو حريق، أو هدم، ويلحق بذلك من صدمته سيارة، أو انقلبت به، أو تحطمت عليه، وكذلك من مات ليلة الجمعة؛ أو في نهارها. والحق أن المسلم العاقل ينبغي عليه أن يتفكر في الموت ، وحال الموتى في المقابر، حتى يرغم نفسه على فعل الطاعات، وتجنب المنكرات؛ على ألا ينتج عن ذلك قلق مستمر، أو خوف دائم، أو اكتئاب قائم؛ فيضيع بذلك وقته وتفكيره، وتتعطل بسببه مصالحه وأعماله، كما يحرم عليه تمني الموتَ؛ لضرٍّ نزل به ، أو ضرر وقع عليه، فإن كان لابد فاعلاً؛ فليقل: (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ). د.عبدالله سافر الغامدي جده.