أعجب سور رأيته في حياتي كان سورا انتصب على أحد أجزاء كورنيش ما، كانت آثار قواعد مقاعد رصيفه المحاذي للطريق قبل إزالتها مازالت باقية تدل على أنه كان يوما يطل على البحر! العجيب هو أن الجانب الآخر للسور لم يكن أرضا يمكن أن تستخدم أو تستثمر، بل مياه البحر الذي تتكسر أمواجه على السور مباشرة، وقد سألت نفسي الأمارة بالريبة عما يمكن أن يستفيده صاحب السور من بضعة سنتيمترات ينتصب عليها سوره فجاءني الجواب سريعا: إن هذه السنتيمترات ستتحول إلى مئات الأمتار مع دفن البحر، وهو ما حصل بالفعل بعد سنوات عديدة حيث انتصبت الآن خلف السور قواعد مشروع استثماري سيدر على صاحبه مئات الملايين! صحتين على قلبه في الدنيا الفانية، وأمره ومن معه إلى الله في الآخرة الدائمة، لكن ليتذكر تلك الأجساد التي ألقت بأوزانها على تلك المقاعد المخلوعة لتصافح أبصارها زرقة البحر الساحرة، وتلك الوجوه التي لفحتها نسائم البحر العليلة، وتلك الابتسامات التي رسمتها لحظات الغروب الجميلة! فخصومته لم تكن مع تلك المقاعد التي اقتلعها وبقيت آثارها شاهدة على زمانها، ولا مع ذلك الرصيف الذي أذعن لجاره الجديد بقوة الأمر الواقع، بل مع أناس لا يعرفهم ولا يعرفونه، ولكنهم يعرفون البحر الذي حال بينهم وبينه!