خلال زيارتي إلى أوكرانيا حجزت رحلة لمنطقة تشرنوبل والتي كان يمنع زيارتها إلى عام 2000م - 2004م تم السماح للصحفيين فقط بالدخول لها وبعد عام 2004م عدد محدود من السياح وفي 2015م أصبحت متاحة لجميع السياح، وكان يوجد شروط لهذه الرحلة المثيرة الفريدة من نوعها من ضمنها أن يكون الِلباسُ قميص أو معطف بأكمام طويلة وبنطلون يغطي كامل الأرجل وحذاء والتوقيع على ورقة إخلاء مسئولية من الشركة المنظمة لهذه الرحلة بما قد يصيبك من أضرار حال تعرضك للإشعاعات ، ومن ضمن الرحلة طلبت جهاز قياس الإشعاع (TERRA) لكي أتمكن من قياس درجة الإشعاع في جميع الأماكن التي سنزورها خلال الرحلة . وفي يوم الجمعة 25 أغسطس 2017 م وعند الساعة الثامنة صباحاً انطلقت أنا ومجموعة من السياح من مختلف الجنسيات إلى مفاعل تشرنوبل الذي يبعد عن كييف عاصمة أوكرانيا 100 كم بالقرب من الحدود البيلاروسية (روسيا البيضاء) ، وبالرغم من مرور ثلاثون سنة على كارثة تشرنوبل لازالت تصنف بأسواء كارثة للتسرب الإشعاعي والتلوث البيئي عرفها التاريخ فهو يعادل 200 ضعف مجموع الإشعاعات الناتجة عن القصف النووي الأمريكي على هيروشيما وناجازاكي في عام 1945م . وبعد ساعتين من أطلاقنا وصلنا إلى البوابة الرئيسية التي تبعد عن المفاعل 15كم للتفتيش والتأكد من وسائل السلامة من قبل الشرطة، وبعد تجاوزها توقفنا عند أول قرية دمرت وكان وقتها الإشعاعات منخفضة بدرجة (0.30) حسب قراءة جهاز (TERRA)، وبالرغم أن الأوكرانيين قد أزالوا جميع تماثيل لينين مؤسس الاتحاد السوفيتي إلا أن من ضمن الجولة توقفنا عند تمثال له لازال موجود في منطقة تشرنوبل . ثم زيارة الرادار الضخم (دوغا) للإنذار المبكر عن الصواريخ البالستية ويبلغ ارتفاعه فوق (300) متر والذي تم بناءه في وسط الغابة لإخفائه عن أعين الناس وكان أول تجربة له فشل فيها، وبعد تجاوز الرادار التوقف في قرية (كوباشي) والتي تم دفنها بالكامل لكن الإشعاعات فيها لازالت مرتفعة جداً وخطيرة تصل إلى (10) بقراءة جهاز (TERRA) . وبعدها الوصول إلى أهم موقع في الرحلة المفاعلات النووية التي تولد الطاقة الكهربائية لأوكرانيا وخاصة المفاعل رقم (4) الذي كان يعمل منذ عام 1970م إلى وقت وقوع الكارثة وانفجاره عند الساعة (1.24) بعد منتصف الليل في 26 إبريل 1986م وانتشار الإشعاعات في جميع الدول المجاورة لأوكرانيا وبالرغم من تكتم الاتحاد السوفيتي عن حادثة الانفجار إلا أن السويد هي من أبلغت العالم بانتشار الإشعاع بعد رصد أحد أجهزتها إشعاعات فوق المعدل الطبيعي وبعدها أعلن بشكل رسمي من قبل الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف بالانفجار، وكانت الإشعاعات مكثفة لدرجة أن رجال الإطفاء تغيرت لون عيونهم من البني إلى الأزرق وتم اخبار الناس بأن يشربوا فودكا على أمل أن ذلك قد يقلل من الإصابة بسرطان الغدة الدرقية ، وحسب إحصائية وزارة الصحة الأوكرانية أن (2.3) مليون مواطن مازالوا يعانون حتى اليوم من آثار هذه الكارثة، وقد تم تغطية المفاعل بالخرسانة ثلاث مرات الأولى كان بعد الانفجار والثانية عام 2000م والثالثة تم الانتهاء منها عام 2016م . ولم تنتهي الرحلة عند المفاعل فكان يوجد موقع لا يقل أهمية عن المفاعلات لكن قبل الذهاب إليه توقفنا لتناول وجبة الغداء وقبل الدخول لصالة الطعام كان يلزم على الجميع المرور بجهاز لقياس الإشعاع في الجسم . وبعد الانتهاء من تناول وجبة عبارة عن مكرونة وخضار تمت تكملة الرحلة بزيارة مدينة (بريبيات) التي كان يسكن فيها العاملين في المفاعل وأخذنا جوله فيها لمدة ساعتين كان كل شيء مدمر المدارس والمستشفيات والملاعب... وغيرها مما جعلها مدينة مرعبة مع وجود بعض الممتلكات في المباني لأن سكانها اعتقدوا بأنهم سوف يغادرونها لمدة أسبوعين فقط لكن المدة طالت ولم يعودوا إليها ، وبعد 36 ساعة من الانفجار تم إخلاءها بحضور 1.500 حافلة لنقل أكثر من خمسين ألف من سكانها حيث امتدت الحافلات على مسافة 11 كم عند الذهاب إلى كييف في الطريق العام. وفي أخر الرحلة تم منحي شهادة إثبات بأني زرت منطقة تشرنوبل موضحاً فيها نسبة الإشعاع في جسمي لكن يعتبر نوع من الإثارة من قبل الشركة المنظمة، إضافةً إلى أن التعرض للإشعاع لفترة قصيرة غير ضار على الجسم . بقلم سعد بن سليمان الفريخ