يعتمد المدير المراوغ (كثير اللف والدوران )على الغموض في الحديث؛ فدائما أحاديثه مبتورة النهاية, ومضمون الحديث لا يخلو من الازدواجية التي تحمل معاني لا يتم الإفصاح عنها. يتكلم المدير المراوغ في أمور جانبية لا علاقة لها بالموضوع متعمدا، لتجنب الدخول في صلب الموضوع وحقيقته، بغرض التهرب من مواجهة حقائق معينة والاعتراف بشيء لا بد من الاعتراف فيه، وفي هذه الحالة يجب على المرء إعادة الطرف (الآخر) إلى جادة الصواب والكف عن تضييع الوقت بمثل هذا الأسلوب. والحقيقة أن مثل هذا النهج لا يخلو من أغراض سيئة، لأن من يتبعه يهدف إلى التعمية عن الحقيقة، والبعد عن الصواب، أو إيصال معلومات ناقصة تؤثر سلباً على طبيعة النقاش ومنهجيته. يلجأ المدير المراوغ إلى الغموض والإبهام لكي يُشعر الآخرين بأهميته الفكرية أو لزيادة وزنه الثقافي من دون وجه حق. وهذا اَلنَهج يشبه كثيراً اللف والدوران من حيث الهدف، ولكنه يختلف عنه من حيث الوسيلة والشكل؛ لأن من يفتقر إلى العمق في التفكير أو الكثافة في المعلومات هو الذي يلجأ إلى العرض المبهم الذي يثير اللبس والشكوك. الغموض نوعان: غموض حقيقي ناتج عن عمق الأفكار وقوة الرأي، من خلال عرض الجوانب غير البارزة والتي تحتاج إلى شيء من التفكير لإدراكها وتصورها، وهذا هو الفكر الفلسفي الذي يعني الغور في دهاليز الفكرة وزواياها المتعددة، وغموض مفتعل، يلجأ إليه العاجزون عن تقديم المعلومة من أنصاف المتعلمين الذين تخيل لهم عقولهم أنهم على درجة كبيرة من العلم والإدراك، فيحاولون امتطاء الإبهام والغموض لتغطية عجزهم وقصورهم العلمي .. المدير المراوغ شخص من الصعب جدًا التعامل معه بسهولة لصعوبة الوقوف معه على مبدأ صلب أو معيار ثابت يمكن الاحتكام إليه إذا استلزم الأمر؛ فهو شخصية ملتوية تتشكل وفق الموقف، يلتوى كما الحية ويتلون كما الحرباء، يستطيع مسايرة الظروف والتكيف معها كيفما كانت، ويستطيع أيضا النفاذ من المواقف المحرجة، أو تهيئة الظروف لما يناسب أغراضه، ويصعب جدا أن تحاصره بالحجة والمنطق؛ لأنه يتسلل من بين كل ذلك بمنطقه الخاص الذي يشبه إلى حد كبير المنطق السوفسطائي. المدير المراوغ كثير التبريرات؛ فالتبرير هو عماد شخصية وحائط حمايته ، فكل محاولة لحصاره بأخطاء اقترفها هي محاولة فاشلة، لأنه يلجأ إلى تبرير الأخطاء بالأسباب الذي أدت إليها، فتنتفي بذلك تهمة الوقوع في الخطأ، ومن العلامات المميزة أيضا للمدير المراوغ هي تكرار التبرير، ولكن بتبريرات مختلفة في كل مرة، والتهوين والتهويل، والتلاعب بالعقول بالمغالطات المنطقية، حيث يحاول إثارة المشاعر العاطفية بدلا من تقديم حجة مناسبة تؤيد وجهة نظره، وحشد الدلائل والبيانات التي تؤيد حجته وتجاهل الدلائل والبيانات التي تدحضها. المدير المراوغ شخص ملتوي؛ كثير اللف والدوران، ومتعب جدا، لذلك ليس من السهل التعامل معه، حيث يتطلب الأمر عقلا واعيا ناقدا محللا يستطيع صاحبه قراءة شخصية هذا المدير المراوغ وفهمها جيدا لإيقافه عند حده. بقلم د. هلال محمد العسكر