الشيخ عبدالرحمن الوهيبي الحمد لله وبعد:قبل أن أبدأ حديثي لرجال الهيئة أُعرِّج على أمرين : الأول: جهاز الهيئة كغيره من الأجهزة الحكومية لايخلو من حدوث أخطاء، لكن فرقٌ بين خطأٍ مقصود يصيب العقائد والعقول والأعراض والأموال والأرواح و... وخطأٍ غيرمقصودهدفه حفظ العقائد والعقول والأعراض و.. الثاني: أن النقد البنَّاء مقبولٌ بل مطلوب ،وهو الذي يهدف للترقّي بخدمات أي جهاز حكومي وتطوير قدرات رجاله ، ... لكن مانقرؤه هذه الأيام عن الهيئات إنماهوسيفٌ مليءٌ سماً زعافا ،اشتمل على المطالبة بإقصاء شعيرة الحسبة والتجنّي على رجال الهيئة والتهكّم بهم واتهام نيّاتهم وتأليب المجتمع عليهم و..لذا جاء هذا المقال بياناً لعظم هذه الشعيرة ومؤازرةً لإخواني رجال الحسبة فأقول: سلامٌ عليكم وبعد: هنيئاً لكم هذا الشرف الذي نلتُمُوه بكونكم أعضاء في جهاز الحسبة ، وهنيئاً لكم هذا الوسام الذي تقلّدتموه ،والطريق الذي سلكتموه،والمهمّة التي آثرتموها على غيرها(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33))فصلت ، وفي خضم هذه الهجمة الشرسة - على رجال وجهاز الحسبة - أحسب أنه ينطبق عليكم قول القائل:على قدر العوائق تكون العزائم ، وعلى قدر الأهداف تكون التضحيات . يارجال الهيئة: لقد اخترتم طريق الأنبياء المصلِحين ، والعلماء العاملين ، والدعاة الصادقين (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108))يوسف (يارجال الهيئات):لاتثنينّكم عنه نظرات الساخرين ، ولا عبارات المثبّطين ، ولا مقالات الشانئين ، ولاكيدالكائدين بل اصبروا وصابرو فالعاقبة للمتقين ، إنه طريق طويل وشاق ! يعجز عن مواصلة السير فيه أصحاب الحظوظ الدنيوية وتخور فيه عزائم أصحاب الهِمم الدنيّة(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16))الحديد لكن هذا الطريق مع طوله إلى أنه يوصل إلى طمأنينة الجَنان ويُجنِّب المجتمع سخط الواحدالديّان ،هذا في الدنيا،أمافي الآخرة فرضا الرحمن والأمن والأمان وسكنى الجِنان في نعيم تعجز عن تخيّله الأذهان. (يارجال الهيئات): امضوا في طريق الحق مُبارٓكين موفّقين مُسدّٓدين، فأنتم تقمعون المنكرات وتطهّرون المجتمع من المحرّمات وتُجاهدون أهل الشهوات ، وتُحاربون البدع والخرافات ،فهذا والله نوع من الجهاد(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69))العنكبوت.فهنيئاً لكم . واعلموا أن عِظم الجزاء مع عظم البلاء قال ربكم(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17))لقمان وقال (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )(10)الزمر فامضوا متّصفين بكل صفةٍ حميدة واسلكوا في ذلك كل طريق سديدة (إخلاصاً في العمل وشجاعة في الحق ورفقاً في الاحتساب وحكمةً في الإنكار وزهداً في الدنيا وثباتاً على الحق وغيرةً على الدِّين وتزوداً بالعلم وصلاحاً في العمل وصبراً على "سفه السفهاء وجهل الجهّال وعناد المعاندين "واستشارةً واستخارةً فيما التبس عليكم أمره...)الخ (يارجال الهيئات): سيروا رافعين رؤوسكم واثقين بربكم ، مهتدين بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم ، ناصحين لولاة أمركم، مستنيرين بعلم علمائكم ، ممسكين بسفينة مجتمعكم أن تزِل أوتضِل أوتغرق أوتُخرق .ولا تلتفتوا لنعيق الناعقين ولا لتُهم المبطلين. فقد شرِقٓ بمهمتكم أهل الشهوات ! وأزعجتْ جهودُكم مروجي المنكرات ، ووجلتْ من يٓقٓضٓتِكم قلوب مبتزّي المردان والفتيات ، وأفسدتْ حِكمتكم خطط أهل الفواحش والمخدرات ، وأقلقتْ متابعتكم أهل البدع والمحدثات ،وخنس بحسن توثيقكم السحرة والساحرات، واختنق بدقة متابعتكم الفجّار والفاجرات،... (فيا رجل الهيئة): توكّل على الرحمن في الأمر كلّه*** فما خاب حقاً مٓن عليه توكّٓلاً وكُن واثقاً بالله واصبر لحكمه ***ِتفُزْ بالذي ترجوه منهُ تفضُّلاً (ويا رجل الهيئة): لتعلو بهمتك عن أغيلمة الصحافة"ممن لايخشون عقوبةً ولا يخافون حساباً ؟! إذا باعدتك الريحُ فادفع شراعها***فيوشك أن تأتِيٓ العواقبُ بالحمدِ فما حازم مٓن لم يبادر إلى العُلا***ولا نافسٓ مٓنْ لم يُنافس على المجدِ (فيا رجال الهيئة):اعلموا أنكم بإخلاص النية وصلاح العمل: 1- تكونون من أهل الفلاح كما قال ربُّكم(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104))آل عمران 2-تتمثّلون اتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108))يوسف 3-تنالون أجراً عظيماً،قال عليه الصلاة والسلام(إن من أمتي أقوامٌ يُعْطٓونٓ مثل أجور أوّلهم يُنكِرون المنكر)صحيح الجامع ج1 4 تُحصّلون مثل أجر من اهتدى بسبب توجيهكم أوستركم عليه(من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لاينقص ذلك من أجورهم شيئاً،...)رواه مسلم 5- ينجو المجتمع بسبب إصلاحكم واحتسابكم على المنكرات وأهلها(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)هود ) وكمافي الحديث(إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه)رواه أبوداود والترمذي وغيرهما 6- تنجون من العقوبة عند حلولها على أهل الفساد، كماقال تعالى(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) )الأعراف وكماقال (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)هود وفي الحديث(فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)رواه البخاري 7- تُصلحون ماأفسد المفسدون من عقائد وأخلاق الناس كماقال تعالى(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (88)هود 8- تجنّبون أنفسكم ومجتمعكم اللعنة التي تُوعّدٓ بها تاركوا النهي عن المنكر كما قال تعالى(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79))المائدة ، إلى غير ذلك مما جاء في فضائل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. قبل الختام: (يارجال الهيئات):بشرى لكم على ماتجدونه من همٍ وغمٍ وتعب جرّاء ماتواجهونه من منكرات وماتراغمون من مفسدين وما تقرؤون أوتسمعون من أصحاب السوابق ومتصيدي العثرات من كُتّاب وكاتبات ومتحدثين ومتحدثات قال صلى الله عليه وسلم(مايصيب المسلم من نصبٍ ولا وصبٍ ولاهمٍ ولا حزنٍ ولا أذىً ولا غمٍ حتى الشوكة يُشاكها،إلاّ كفَّر الله بهامن خطاياه) متفق عليه ختاماً: بارك الله في جهودكم وأعمالكم وسدّد على الخير خُطاكم وآراءكم وأقرّ أعينكم بنصرة دينكم وصلاح أولادكم والله حسيبكم وحافظكم وهو نعم الوكيل ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخوكم ومحبكم في الله عبد الرحمن الوهيبي- الخرج 28/ 11 /1434ه