لم تكن العناية بمنظمات التعليم اليابانية مفاجئة بل كانت نتيجة النجاح الهائل الذي حققته والتي ظهرت للمحللين والباحثين وكأنها مختلفة تماما عن منظمات التعليم الأخرى في العالم بالرغم من الظروف القاهرة التي تعرضت لها جراء الحرب العالمية الثانية ومع ذلك حققت تميزا باهرا على مثيلاتها من الدول والتي كانت تتمتع بأوضاع سياسية مستقرة. كل ذلك دعا المعلمون الأمريكيون يمنُّوا أنفسهم بأن يلقوا نظرة خاطفة على المدارس اليابانية ليكتشفوا سر تفوق الطلبة اليابانيين المستمر على نظرائهم من الطلبة الأمريكيين في الاختبارات الدولية، علاوة على تفهم قدر ما عن الثقافة والمجتمع الياباني؛ لذا زار وفد أمريكي المدارس الابتدائية، ومدارس الأحداث العالية، والمدارس العليا (الثانوية) في مدينتي أوساكا ونيجاتا, وقد رأوا فصولاً مزدحمة ومكدسة، ووسائل تعليم مرئية قليلة، بل والمدهش للغاية أجهزة حاسب آلي قليلة للغاية مقارنة بالموجود في مثيلاتها من المدارس الأمريكية ووجدوا أن النماذج المثالية التي يحرص عليها التعليم الأمريكي، والمتمثلة في: معدل محدود من المعلمين والطلبة، مشاركة الطالب، التدريبات في المسائل الذهنية المهمة ليست جل الاهتمام في الصفوف التي زاروها وراقبوها, ويقول أحد أفراد تلك البعثة: "أنني طوال عمري أسمع عن التعليم الياباني، لكن يبدو لي الآن أن الأمر لا يتعلق بتعليمهم، وإنما يتعلق بما يفعلونه زيادة عن هذا التعليم» إن المدرسة في اليابان هي مركز حياة الأطفال، ويميل أولياء الأمور والمعلمون إلى التوحد والتكامل في الوظائف التي يؤدونها. ففي المدرسة، يتعلم الطلبة كل شيء من أول مبادئ الأخلاق حتى كيفية استخدام العيدان في تناول الطعام، ويتولى الطلبة مسؤولية تقديم طعام الغداء، وتنظيف المدرسة بعد انتهاء الحصص الدراسية, ومن الشائع والمعتاد بالنسبة للمعلمين اليابانيين زيارة الطلبة في منازلهم، ويتواصل المعلمون وأولياء الأمور أو الطلبة من خلال إبداء ملاحظاتهم عن الاختبارات والواجب المنزلي، والسلوك الذي يبديه الطلبة. إن ثقافة المنظمة هي السبب الرئيس الذي جعل التعليم الياباني وكأنه مختلف تماما بسبب طبيعة القيم والمعتقدات والافتراضات المشتركة بين أفراد منظماتها؛ مما يؤدي إلى الالتزام والضبط والاتفاق العام بأهمية ما ترمز إليه المنظمة وأهدافها والولاء لأهداف التنظيم وغاياته. إن الطلبة اليابانيون يتفوقون لأسباب تتجاوز الاهتمام بالمعلومات والماديات بل تتعداها إلى نوعية القيم والمعتقدات . إخوتي القادة أوجه دعوة إلى إدارات التربية والتعليم في الدول النامية إلى الاهتمام بتطوير أجهزتها الإدارية لتواكب التغيرات المتسارعه عن طريق دراسة الثقافة التنظيمية؛ لأهميتها في صياغة استراتيجيات المنظمات بأشكالها المختلفة وفي بناء الهياكل التنظيمية وفي تشكيل اتجاهات العاملين في المنظمة وهويتهم ومواقفهم, فضلا عن أنّ ثقافة المنظمة تعطي تميز خاص بهم وتسهم في خلق الالتزام بما هو أكبر وأهم من المصالح الذاتية للأفراد.