لا أعتقد أن أحداً منا يجهل أو ينكر نعمة الأمن في الأوطان وفي المجتمعات، فالأمن متطلب مهم للتعايش والبقاء ، إن نعمة الأمن لا يمكن الحديث عنها بإيجاز ويكفي أن الله عز وجل قرنها بنعمة الغذاء في قوله" فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " إن ما يهم هنا هو الأمن بالنسبة للطفل، فالأمن في مرحلة الطفولة أشمل وأعم ، إن إحساس الطفل بالأمن يتطلب أن نستشعره وننظر إليه من تصور الطفل ومفهومه نفسه، إذن كيف يمكن أن نشبع حاجة الطفل بالأمن ؟ يتم إشباع هذه الحاجة عن طريق منح الطفل الأمن بمفهومه العام أولاً، وهو الشعور الذي يحتاجه الجميع مهما اختلفت أعمارهم وأفكارهم ،ثم بعد ذلك يجب أن نمح الطفل الشعور بالأمن من منظوره هو نفسه باختلاف تفكيره وإدراكه، من خلال استقرار العلاقات الأسرية ، فهي تحقق الشعور بالاستمرارية بالنسبة له ، وتساعده أيضا على التنبؤ بالمستقبل. إن طبيعة العلاقات الأسرية التي يعيشها الطفل لها أهمية كبيرة في نموه النفسي ، وهذا لا يخص علاقته بأبويه فقط وإنما علاقة الأبوين ببعضهما، وعلاقة الطفل بإخوانه وأخواته وعلاقتهم ببعظهم ثم علاقتهم بالأقارب. إن تعرض الطفل لأي موقف سلبي داخل أسرته يحرمه الأمن الذي ندعو له ، من هنا نخلص إلى أن كثيراً من المواقف - التي قد يتعرض لها الطفل دون أن يشعر الوالدان بأثرها على طفلهما وعلى استقراره النفسي- قد تحول دون شعوره بالأمن ومن هذه المواقف على سبيل المثال : 1- رفع الوالدين أصواتهما أثناء الخلاف الأسري أمام الطفل، يشعره ذلك بالخوف من عدم الاستقرار والاستمرارية الأسرية. 2- ضرب الأب أو الأم لأحد الأبناء أمام الطفل. 3- ترك الطفل لوحده في أماكن تشعره بالخوف دون أن ندرك ذلك، كتركه في السيارة، أو في المنزل مع الخادمة، أو تكليفه بعمل يعرضه للتعامل مع الآخرين... كل هذه المواقف قد لا ندرك أنها مخيفة للطفل، لأننا نظر إليها من إدراكنا نحن، وهذا لا يعني ألا نتركه يعتمد على نفسه وألا نجعله يختلط بالآخرين، ولكن يجب أن يكون ذلك بتدرج وبمتابعة منا. من هنا يمكن أن نفسر بكاء الطفل قبل دخوله الروضة أو المدرسة لأول مرة، بأنه لا يدرك مفهم الزمان والمكان ، فهو يعتقد انه سيبتعد عن المنزل ويفارق الاستقرار الأسري، ومع مرور الوقت يدرك أن ذلك مؤقتا ولفترة محدودة بعدها يقل خوفه وتوتره . 4- مشاهدة الطفل للمشاهد المخيفة في البرامج التلفزيونية، ويعتقد بعض الآباء أنه بمجرد أن يقول لابنه أن هذا عبارة عن تمثيل قد أزال الخوف منه ، فالطفل لا يدرك كل هذه المفاهيم، وإنما يدركها مجردة من أي مفهوم آخر. 5- نخرج إلى نطاق المدرسة فهي البيت الثاني للطفل، ومن المهم أن يشعر الطفل بالأمن فيها، وأن يتجنب المواقف التي تخيفه وتعكر صفوه الأمني ، ليتفرغ هو للتعليم والتربية بصفاء ذهن ، فالطفل مثلاً لن يكون حاضر الذهن في فصله وهو يدرك أن خطراً ما يهدده، كتهديد طفل عدواني له بضربه، أو تهديد المعلم له،أو تكليفه بما قد يرهقه نفسياً أو ما ديناً أو جسدياً كل هذا يفقده الشعور بالأمن. وأخيراً كلما قلت المواقف التي تحول دون شعور الطفل بالأمن باستقراره أسرياً، وتهيئة الجو المناسب له مدرسياً، كلما كان نموه النفسي والعقلي والتربوي مستقراً سليماً ايجابياً. وأخيراً أسأل الله عز وجل أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان، وأن يجنب أطفالنا كل ما يخيفهم ويحول دون شعورهم بالأمن . فهد حماد التميمي