قرية الخزنة ببني الحسن بمديرية عبس اليمنية ، لا تبعد كثيراً عن المنفذ السعودي اليمني الطوال لها من اسمها نصيب فهي تختزن في أعماقها سراً لم تتوصل إليه براعة الأطباء ولم تستطع فك رموزه فلسفة الحكماء . قرية تختلف كثيراً عن قرى العالم التي رأيناها أو سمعنا عنها . لا تختلف في طبيعة الأرض ولا النبات بل تختلف بصفة تميز ساكنيها عن بقية سكان العالم ، فكل سكانها عمياناً . وسيلة التواصل بينهم حبال ممتدة من بيت لبيت ومن بيت للمسجد . عندما يستقبلك الواحد منهم في رابعة النهار بشكله الطبيعي ، فإنك تمد يدك إليه مصافحاً فإذا به لا يبادلك التحية ، حينها سوف تصاب بشئٍ من الحيرة والاندهاش إن لم تكن على علم ودراية بحال هؤلاء مسبقاً . حالة لشاب في قرية الكنزة فتاة وشابين يعانون نفس الحالة أمرٌ محير جداً يستدعي أن تتحرك له كل المنظمات الإنسانية والصحية لدراسة وتحليل الجين الوراثي لدى هؤلاء مما يكون من شأنه كشف اللغز الغامض في هذه القرية ودعمهم من أجل العيش . مؤلم حال هذا الشاب بعد ظهر يوم ال 26 / رمضان / 1431 ه تحركنا لليمن عبر منفذ الطوال فكان في استقبالنا الشيخ / حسن بن علي الطيب الذي أخذنا معه في جولة داخل هذه القرية . شرح لنا معاناة هؤلاء الناس فقال : يولد الشخص منهم سليماً مستمتعاً بنظره إلى أن يصل إلى سن السادسة عندها يبدأ نظره في التناقص شيئاً فشيئاً إلى أن يفقد حاسة النظر تماماً عند الثامنة فتظل عيناه مفتوحتين ، وجفناه يرمشان ولكنه لا يرى ، إنها قدرة الله فهذا ما يمكن أن نقوله عنهم . يضيف بأنه خلال الأعوام الماضية تم أخذ طفلٍ صغير منهم والتوجه به لإحدى المستشفيات لعلها أن تساهم في علاجه فكان ردهم بأن الحالة ميئوس منها طبياً . تجولنا في القرية وكنا قد جمعنا لهم شيئاً من فاعلي الخير ، وزعناه بينهم فكنا لا نسمع منهم إلا عبارات الشكر والثناء وابتهالات الدعاء لإخوانهم في بلد العطاء . لم تقف معاناتهم عند فقدهم للنظر بل زادهم الفقر معاناة أخرى ، بيوت من الطين والقش وأعواد الشجر ، قابلنا كهلاً لا يبصر من سكان تلك القرية ( هادي بن هادي 87 سنة ) وطلب منا أن نلقي نظرة على آثار بيته الذي حطمه المطر قبل أيام . هادي بن هادي 87 سنة منزله المهدوم بسبب المطر ، وتبدو بيوت جيرانه حول بيت هذا الرجل بيوت صمدت ضد موجة المطر ولكن بعضها لم تصمد أمام السيل الذي ذهبت ضحية فتاة صغيرة قبل أيام وبيوت أخرى ظلت صامدة ضد كل هذين العاملين لكنها هل ستصمد في الأيام و الأعوام القادمة . أسرٌ كثيرة فقدت من يقوم برعايتها ولكن قوة الروابط الاجتماعية ببني الحسن ساهمت في تخفيف المصاب لديهم رغم ضيق ذات اليد . أسرةٌ واحدة تمتلك مصروفاً شهرياً يصل إلى 200 ريال سعودي يقوم بتحويلها لهم فاعل خير من الإمارات العربية المتحدة ، ولربما تتحرك نحوهم من هنا أيادٍ أخرى . شئٌ واحد استطاعوا أن يهزموا به الفقر إنه الكرم الذي وجدناه منهم أثناء وجبة الإفطار والعشاء فالجود من الموجود وهذا أبلغ الكرم .