ما إن انتهت معركة الموصل، والتى حسمتها القوات العراقية المدعومة بميليشيات الحشد الشعبى وبغطاء جوى من التحالف الدولى بقيادة واشنطن، حتى اتجهت الأنظار إلى مستقبل الحشد فى الساحة السياسية العراقية وتحالفاته المثيرة للجدل مع إيران، لاسيما فى ظل سوابق للحشد تشير لدوره الطائفى فى العراق. ميليشيات الحشد الشعبي.. وتكتسب ميليشيات الحشد الشعبى أهميتها من كونها تمثل الذراع العسكرية لشرائح واسعة من المرجعيات الدينية الشيعية فى العراق، ورغم ما تلعبه من دور محورى فى الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابى فى البلاد، فإن وضعها يظل يكتنفه الغموض، كما ترى مجلة (ذى أتلانتيك) الشهرية الأمريكية. وبحسب تقارير دولية، يقدر عدد المقاتلين المنضوين تحت رايات الحشد الشعبى بأكثر من ستين ألفًا، 35 ألفًا منهم يشكلون قوام القوة البالغ عددها 100 ألف مسلح التى خاضت معركة تحرير الموصل أخيرا، وفى 26 نوفمبر الماضى أجازت الحكومة العراقية قانونا يجعل من الحشد الشعبى مكونًا رسميًا من مكونات قوى الأمن فى البلاد خاضعًا للقانون العسكرى وبوضعية مساوية للجيش. وبينما يصف الموالون لهذه الميليشيات بأنها حركة تحرير وطنية أو حملة دينية ضد الشر، يراها الإعلام العالمى على أنها «تحالف من المجموعات الشيعية المدعومة فى أغلبها من إيران» بالكاد تخضع لسيطرة الدولة. إلا أن خطره الأكبر فى العراق أنه كمؤسسة له تبعات هائلة على العراق، فبالنسبة للعديد من أعضائه فإنه يستمد مشروعية «نضاله» من فتوى الجهاد الكفائى التى أصدرها المرجع الدينى الشيعى الأعلى فى العراق آية الله على السيستاني، فإذا سحبها وتم تسريح الوحدات الخاضعة لسلطته، فإن هذه الميليشيات ستقتصر على عدد من وكلاء إيران وجماعات سياسية تتبع رسميًا للدولة، لكنها لن تكون تحت إشرافها بحسب صحيفة (الجارديان) البريطانية. وذكرت الصحيفة البريطانية أن مستشار الأمن الوطنى فالح الفياض، الذى وصفته بأنه قائد تلك الميليشيات من الناحيتين الفنية والواقعية، يرى أن العراق مشغول بحربه ضد «الجهاد العالمي»، كما تسميه، بينما يذكى أطراف خارجيون أوار الطائفية. بيد أن ما لم يقله الفياض أن خمسًا من أكبر الوحدات فى الحشد الشعبى تتلقى الأموال والدعم والتوجيه من إيران، فكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق كانتا تنشطان بالوكالة عن إيران إبان احتلال التحالف الدولى للعراق، وكلاهما الآن من الوحدات الرئيسية فى قوات الحشد الشعبي، وهناك كتائب سيد الشهداء التى خاضت القتال فى سوريا إلى جانب قوات نظام بشار الأسد. أما منظمة بدر التى تعتقد (ذى أتلانتيك) أنها ربما تكون الأبرز من بين وكلاء إيران، فيقودها هادى العامرى الذى «حارب لصالح إيران فى حربها ضد العراق»، كما أنه من الأصدقاء المقربين لقاسم سليمانى قائد قوة القدس التابعة للحرس الثورى الإيراني. ميليشيات الحشد الشعبي.. وعلى الرغم من مخططات إيران، فإن العراق يمارس قدرًا من السيطرة على قوات الحشد الشعبى التى «يمكن احتواؤها إن لم يكن السيطرة عليها»، وفقًا لما نقلت المجلة عن لاهور طالبانى رئيس جهاز مكافحة الإرهاب فى حكومة إقليم كردستان العراق، وأشارت المجلة إلى أن ضباط المخابرات البريطانية والعراقية تخالجهم حاليًا مخاوف من أن مصلحة إيران فى تلعفر بمحافظة نينوى شمالى العراق، لا تكمن فى المدينة بحد ذاتها، بل فى الطريق السريع المتجه غربا صوب الحدود السورية، حيث يجوب مقاتلو منظمة بدر والميليشيات الأخرى الخاضعة لإمرة طهران مناطق واسعة فى العراق من محافظة ديالى وعبرها إلى محافظات صلاح الدين وكركوك ونينوى ثم إلى الطريق المؤدية إلى سوريا. من جهته، يقول توم هاردى فروسيث الرئيس السابق للجنة حماية المنشآت الحيوية بحلف الناتو، والمستشار الحالى لحكومة كردستان العراق، إن «ما تريده إيران من تلك الوحدات أشياء محدودة، فهمّها الرئيسى هو سوريا، ولقادة الوحدات دوافعهم الخاصة». ويتفق معه مسئول كبير فى الخارجية الأمريكية ذكر ل(ذى أتلانتيك) قائلا إن مصالح إيران الأساسية اقتصادية الطابع، ذلك أنها تريد أن تضمن أن العراق لن يصبح قويا بما يكفى ليشكل تهديدا عليها كما كان الحال فى عهد الرئيس الراحل صدام حسين. وتمضى المجلة الأمريكية إلى القول إن إيران ليست السلطة الوحيدة التى لها نفوذ داخل الحشد الشعبي، فالمرجعيات الدينيه العراقية «التى يتحكم فيها السيستاني» أنشأت ثلاثًا من أفضل الوحدات تدريبًا وتجهيزًا هى كتائب الإمام على ولواء على الأكبر وفرقة عباس. وتعارض تلك المرجعيات بشدة التدخل الأجنبى فى العراق ولا تتورع من انتقاد إيران، وهناك خلافات دينية ذات شأن بين تلك المرجعيات والملالى فى إيران بشأن قضية دولة الفقيه، حيث يرى السيستانى أن يظل علماء الدين فى موقع من يسدى النصح للحكام بدلًا من أن يكونوا قادة سياسيين. أما الآن فإن الخلاف الأكبر بين المرجعيات الدينية والحكومة العراقية هو ذلك الذى يتعلق بمستقبل قوات الحشد الشعبي، فإذا أقدم السيستانى على تسريح وحدات المرجعيات فى تلك القوات، فإن ميزان القوة بداخل الأخيرة سيميل نحو الوحدات التى لا تخضع لسيطرة الحكومة، وإذا ما استمر وكلاء إيران فى حربهم بسوريا وبقيت ميليشيات الحشد مكونًا رئيسيًا لقوات الأمن العراقية، فإن من شأن ذلك أن يتسبب فى معضلة لسياسة حكومة بغداد الخارجية، وذلك وفق تقرير مطول لمركز «كارنيجي» الأمريكية. وذكر المركز أن قوات الحشد تتعامل ليس على اعتبار أنها جزء من القوات العراقية، بل باعتبارها جزءًا من نضال من أجل النفوذ الذى سيقرر مستقبل العراق خلال الأيام المقبلة.