أنشأت إيران منظمات سرية في العراق تابعة لها في 2004 - 2007، تُجاهر جميعها بولائها لمرجعيتها الدينية وللمرشد علي خامنئي وليس لمرجعية السيد علي السيستاني. كانت تلك المنظمات السرية تعمل في الخفاء على تصفية ضباط القوى الجوية العراقية، بهدف القضاء على المحاولات الأميركية لإنشاء جيش عراقي قوي من الضباط العراقيين السابقين. عملت تلك المنظمات سرية في الخفاء تحت مظلة الكتائب الشيعية التابعة للأحزاب الإسلامية العراقية (منظمة بدر وسرايا السلام وعصائب أهل الحق إلخ) والتي كانت أحياناً بقيادة ضباط إيرانيين (سرايا الخرساني وسرايا حزب الله) ناهيك بأن بعض قيادات الحشد الشعبي حالياً تحمل الجنسية الإيرانية (هادي العامري نموذجاً). وعندما ظهر «داعش» في 2014، سارعت إيران إلى إنشاء كتائب الحشد الشعبي لكي تدمج منظماتها السرية وتضفي عليها الشرعية فتكون لها سنداً شرعياً داخل الدولة العراقية وتمد نفوذها داخل المؤسسة العسكرية العراقية وتحول العراق إلى إيران ثانية، فألبست النظام العراقي النموذج العسكري الإيراني (الحرس الثوري) في إيران و (الحشد الشعبي) في العراق ينافس ويتدخل في الحياة السياسية العراقية. استخدمت إيران الميليشيات الشيعية في العراق لتكون يدها اليمنى العسكرية لمد نفوذها وضرب خصومها، وليصبح مجيء «داعش» أهم أسباب نجاح الهيمنة الإيرانية على الدولة العراقية. حققت تلك الميليشيات انتصارات واسعة على «داعش» من الفلوجة إلى ديالى وسامراء وبحكم الأمر الواقع قامت قوات التحالف تحت القيادة الأميركية بالتكيف مع تلك الميليشيات على الأرض تحت ذريعة الاستفادة منها للتخلص من «داعش». كان الأميركيون ينظرون إلى «داعش» كأخطر تنظيم عالمي، بينما ينظرون إلى الميليشيات الشيعية كعامل ظرفي له فوائد أمنية. وعجزت القيادات السنية عن إنشاء الحرس الوطني لفتح باب المشاركة أمام السنة في المؤسسة العسكرية الأمنية التي أصبحت محتكرة من طرف التيارات الإسلامية الشيعية، مع بقاء بعض القوات السنية يقاتل مع الجيش وبعضها يقاتل مع الحشد وبعضها يقاتل مع البيشمركة. نجحت إيران في الجغرافية الأمنية بتأمين حدودها الغربية مع المحافظات الحدودية مع العراق، من السليمانية (بالاتفاق مع الطالباني) وصولاً إلى البصرة، وفتحت طريقاً برياً من حدودها إلى سورية، تحت إشراف قائد فيلق القدس قاسم سليماني. لم يكن الحشد كتلة متجانسة، بل فيه تيارات منقسمة منها وطني (الصدرية) ووسطي (الحكيم مع حزب الدعوة جناح العبادي)، ومنها متطرف (كتلة اليمين الشيعي) وقوى موالية لإيران (بدر وعصائب أهل الحق والدعوة جناح المالكي). دولة الميليشيات وتفكيك الدول وبعد سقوط الموصل، توجهت تلك الميليشيات في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2017، لتستولي على كركوك بالاتفاق مع حزب الطالباني وشاركت تلك الوحدات في الهجوم على قوات البيشمركة في مخمور، واستولت على سنجار لتلجم قوات البيشمركة الكردية أمام أعين الأميركيين وبأسلحتهم التي خصصت للجيش العراقي، وانتقلت إلى أيدي الميليشيات. استطاعت إيران استثمار الميليشيات في جذب المتطوعين وتوثيق سلطتها الدينية على المقاتلين وعملت على تأمين الوظائف عبر مكاتب متابعة شؤون عوائل الشهداء لتحول الميليشيات في العراق إلى منظومة أمنية سياسية واجتماعية على حساب الدولة المركزية. كانت سورية حليفة لإيران منذ الحرب العراقية - الايرانية 1980 - 1988، بل كانت ممراً لإيران إلى الشرق الأوسط وجسراً للتواصل مع «حزب الله» في لبنان. وكان لمرقد السيدة زينب في دمشق دور في تسهيل مهمة طهران في إنشاء علاقات مع شيعة المشرق، لا سيما في لبنان وسورية. واستخدمت إيران العامل الديني في سياستها الخارجية على أساس الشبكات الشيعية المختلفة. ونجح المرشد الأعلى الإيراني باستخدام التشيع من أجل المصالح الوطنية الإيرانية، فأسست السياسة الخارجية لإيران على نشر أفكار الثورة الإيرانية ولدعم الهوية الشيعية الموروثة، وتقديمها على الهويات الوطنية. الجدير ذكره هنا أن المادة 21 من الدستور الإيراني تنص على أن الدين الرسمي لإيران هو الإسلام وفق العقيدة الجعفرية الاثني عشرية. هذا ما تحول أيضاً إلى وظيفة سياسية خارجية.