يبدأ الطفل العربي الأحوازي الدراسة عندما يبلغ السادسة من عمره، ويصدق عليه المثل الذي يقول (أطرش في الزفة) في سنته الأولى من الدراسة، لأن اللغة التي تدرّس في المدارس فارسية وهو عربي لم ينطق بها من قبل قط. وتستمر المرحلة الإبتدائية خمس سنوات قد يبقى صديقنا الصغير خلالها أطرش وأبكم في الصفوف، أوقد يتعلم النطق بها إن كان شاطراً بما فيه الكفاية. ولكي أضع القارئ الكريم أمام صورة ملموسة من واقع هؤلاء الأبرياء، طلبت من ناظر إحدى المدارس الإبتدائية أن يسمح لي بالحضور في صف من صفوف المدرسة بحجة تحقيق جامعي فوافق، وبعد ما نسق مع المدرس و(كان فارسياً)، دخلت الصف الثاني وطلبت من المدرس أن يختبر التلاميذ إن كانوا قد تعلموا النطق باللغة الفارسية أم لا. قال المدرس للتلاميذ: سأعطي كل واحد منكم كلمة ليصيغ بها جملة فارسية. وأوصاهم أن ينتبهوا جيداً ويصيغوا جملاً بليغة ومفيدة ولا يفضحونه أمامي! قال لأحدهم: (پدر) أي أب. قال التلميذ: (من پدر را دوست دارم) وتترجم إلى العربية: أنا أحب الأب. قال للثاني: (مادر) أي أم. قال التلميذ: (من مادر را دوست دارم) أي أنا أحب الأم! قال للثالث: (مدرسه) أي المدرسة. قال: (من مدرسه را دوست دارم) أي أنا أحب المدرسة! وكرر الآخرون نفس الجملة سوى أنهم يستبدلون مفعولها بالكلمة التي يسمعونها من المدرس! ومنهم من لزم السكوت لأنه لم يستطع صياغة أية جملة! وتكرارهم لكلمة الحب لا يعبر عن حبهم تجاه ما يسمعون من مدرسهم بل لأنهم لا يعرفون سوى هذه الجملة. ثم أمر المدرس شاطرهم وقال له: صغ جملة بكلمة (الوردة) دون أن تكرر ما قاله زملائك، أي لا تقل: أنا أحب الوردة. فقال التلميذ: أنا لا أحب الوردة! عندها لم أتمالك نفسي من الضحك وقد حزنت في نفس الوقت، قلت وأنا أكلم نفسي: ماذا جنى هؤلاء الأطفال الأبرياء حتى يدرسوا في مدرسة لا يفهمون من لغتها شيئاً؟! وكيف سيكتب لهم النجاح في هذه المدارس؟! ثم سألت المدرس: كيف تعلمهم وهم لا يفهمون اللغة الفارسية؟! فقال شاكياً: لقد تعبت معهم وكثيراً ما أستعمل لغة الإشارة. ثم قال معاتباً: إن أولياء أمورهم لا يتعاونون معي كي نعلم أبناءهم اللغة الفارسية. سألته كيف يستطيع أولياء أمورهم المساعدة؟! قال: ليتكلموا مع أطفالهم في البيوت باللغة الفارسية!!! ولا يدري هذا المدرس أن معظم أولياءهم لا يجيدون هذه اللغة ويتكلمون بلغتهم أي اللغة العربية. شكرت المدرس وخرجت. ثم طلبت من الناظر أن يسمح لي بالدخول في الصف الخامس، وقد رأيت الوضع مماثلاً حيث يحفظ التلامذة الدروس دون أن يفهموا معناها. وتدرس في الإبتدائية مواد الرياضيات والعلوم الطبيعية والإجتماع والتأريخ، وهناك كتابان فارسيان أحدهما للإملاء والثاني لقواعد اللغة الفارسية، يُدرّسان من الصف الأول وحتى الخامس. وتشير الإحصائيات ألى أن أكثر من ثلاثين بالمائة من التلامذة العرب يتركون المدارس في هذه المرحلة ذلك لأنهم لا يجيدون اللغة الفارسية. وتوجد في الدستور الإيراني مادة تعطي العرب الحق أن يدرسوا بلغتهم في المدارس بجانب اللغة الفارسية، إنما بقت هذه المادة وهي مادة 15 من الدستور معطلة رغم مطالبة العرب الأحوازيين بإجراءها وقد مضى على إنتصار الثورة الإيرانية أكثر من ثلاثين عاماً! ثم تبدأ مرحلة المتوسطة لتستمر ثلاث سنوات، وفي هذه المرحلة التي يستطيع التلميذ الأحوازي أن يُفهم طرفه المقابل باللغة الفارسية، تدخل دروساً أكثر إختصاص في حقبته ويُدرّسها أكثر من مدرس. وعند الإنتهاء من هذه المرحلة، يترك بعض الطلاب الدراسة لأسباب مختلفة منها الفقر الإقتصادي والثقافي. وتعتبر بعض العوائل الفقيرة أن نهاية هذه المرحلة هي نقطة الختام للدراسة ولا حاجة للمواصلة حيث أن الهدف هو أن يجيد التلميذ النطق والكتابة باللغة الفارسية لا أكثر، رغم أن معظمهم لا يجيدون الكلام والكتابة وقد مضى على دراستهم ثمان سنوات. ثم تبدأ مرحلة الإعدادية وتستمر لثلاث سنوات أيضاً، وهي مرحلة تتطلب المثابرة من التلميذ والمراقبة من أوياء أموره، ولا ينجح فيها إلا اولئك الذين قد أتقنوا اللغة الفارسية إستيعاباً وتعبيراً. وفي السنة الثانية من هذه المرحلة يختار التلميذ الفرع الذي حصل على إمتيازاته، أي لكل فرع درجات يجب أن يكسبها التلميذ في المرحلة المتوسطة والسنة الأولى من الإعدادية كي يتأهل للفرع المطلوب. وهناك فروع مختلفة منها: أ – الرياضيات والفيزياء : وهو فرع يختص بدروس الرياضيات أكثر من غيرها، ويُدرّس في هذا الفرع مواد أخرى ك الفيزياء والكيمياء والدروس العمومية. ب – التجربي : وهو فرع يختص بدروس الأحياء أكثر من غيرها، ويُدرس فيه الفيزياء والكيمياء والدروس العمومية أيضاً. ج – ألأدبيات والعلوم الإنسانية : وهو فرع يختص بدروس التأريخ والجغرافيا واللغة وفيه الدروس العمومية. د – كار دانش : أي (العمل والعلم) وهو فرع بسيط جداً وفيه مئات الفروع المتشعبة ك الخياطة، الحضانة، الحاسوب، البناء، الخرائط، المسرح و... ومعظم أبناء الأحواز يختارون هذا الفرع السهل ولا يستطيعون عند تخرجهم دخول الجامعات. ومن تخرج من الإعدادية بعد ثلاث سنوات يحصل على الديبلم. وإن أراد أن يواصل الدراسة ليدخل الجامعة، عليه أن يقرأ سنة أخرى وتسمى (بيش دانشكاهي) أي قبل الجامعة ولا تشمل هذه المرحلة فرع (العمل والعلم). وفي جانب المدارس الحكومية، هناك مدارس خصوصية تسمى (غير إنتفاعي) وتكلفتها لا تقل الخمسة ملايين ريالاً إيرانياً في السنة الدراسية (ما يعادل 625 دولاراً) ويدرس أبناء الأغنياء والمسؤولين في هذه المدارس التي لا أرى بينها وبين المدارس الحكومية أي فرق سوى أنها تتساهل مع التلميذ أكثر من اللزوم، ذلك لجذبه في السنوات المقبلة ليسجل في نفس المدرسة. ثم يشترك التلميذ في إمتحان صعب للغاية ويسمى (كنكور) وهو إمتحان للدخول في الجامعات، وما ينجح في هذا الإمتحان إلا الشاطر الذي تعب ليلاً ونهاراً. ويشترك في هذا الإمتحان ما يقارب المليونين طالباً وطالبة، علماً بأن قابلية الجامعات الحكومية لا تتجاوز المئتين ألف طالباً. والذين لا ينجحون في هذا الإمتحان وهم كثيرون، فهناك جامعات حرة في جميع الفروع والنجاح فيها ليس صعباً، إنما الصعوبة في دفع تكاليفها التي لا تقل من خمسة عشر مليوناً من الريالات الإيرانية (أي 1875 دولاراً) سنوياً. مبلغ تعجز الكثير من العوائل الأحوازية من دفعه. وبقى السؤالان التاليان يكرران نفسيهما منذ ثمانية عقود دون أن يجيب عليهما أحد: بأي ذنب تأخر شعبنا من قافلة العلم والثقافة وأهم أسباب تأخرة عدم السماح لأبنائه أن يدرسوا بلغتهم العربية؟ أليس من حق الأحوازيين ولا تقل إحصائيتهم خمسة ملايين نسمة وجميع الحقول النفطية توجد في أراضيهم أن يدرسوا بلغتهم العربية ويدخلوا الجامعات دون أي مانع؟ عادل العابر الأحواز المصدر موقع عرستان