تشتهر منطقة نجران بعدد من الحرف والصناعات اليدوية القديمة التي لا زالت تلقى رواجا كبيرا وإقبالا غير عادي من قبل الأهالي وسكان المنطقة والزوار الخليجيين والسياح , مما شجع أصحاب هذه الحرف على مزاولتها وعرض منتجاتهم. حرفة الخرازة رائجة في سوق نجران الشعبية وتعتمد في مواد تصنيعها على الجلود بعد دباغتها. ومن أكثر ما يعرض في دكاكين الخرازة الموجودة بكثرة في تلك السوق ما يسمى في نجران ب"الميزب" : وهو وعاء جميل يوضع فيه الطفل لحمله على كتف أمه في حالة نومه ويعد من أغلى المصنوعات الجلدية نظرا لإقبال النساء على اقتنائه حتى يومنا هذا، فعلى الرغم من التطور الهائل في صناعة مراتب النوم الخاصة بأسرّة الأطفال، إلا أن "الميزب" الذي عُرفت صناعته منذ مئات السنين من جلد الماعز وجريد النخل, ظل المطلب الوحيد لأهالي نجران حتى عصرنا الحالي، ليقدم هدية إلى مواليدهم، حتى ينعموا بسرير نوم مميز. إن طول الميزب يبلغ 85 سم وعرضه 45 سم , ويمر بعدة مراحل في التصنيع تبدأ بعملية دبغ جلد الماعز دبغاً جيدا بنبات القرض والماء الحار والملح والحرمل , وبعد ذلك يجفف وعند التأكد من خلو الجلد من بقايا الشعر تبدأ عملية التصنيع ، ويتكون الميزب من (الناصية) المقدمة وهي عبارة عن قطعة خشب مربعة الشكل ومثبتة من الخلف بداعم من جريد النخيل ومغلفة جميعاً بجلد الماعز ، وهي تشبه مقدمة السرير الحديث , حيث تحمي الرضيع من التعرض لأي تأثير خارجي ، كما تتزين الناصية (بالهدب ) وهي شرائط من جلد الماعز في أعلى الناصية وأسفلها تضفي شيئاً من الجمال على الميزب والمرح للرضيع فعندما تضرب الأم الميزب من الأعلى أو الأسفل تحدث صوت خشخشة محببة له ويساعده على الاسترخاء والهدوء , بالإضافة إلى أن الداعمتان يمكن أن تستخدم للهز عندما يكون الميزب على الأرض " . ويتكون الميزب من الصحن وهي المساحة المخصصة لنوم الرضيع على شكل أسطواني يشبه كثيراً بطن الأم الحامل ومثبتة من الجانبين العلويين بعصا من داخل الجلد من جريد النخل بكل جانب وفي أعلاها ( العروة ) المصنوعة من الجلد الخالص بمتانة كبيرة وهي يد الميزب والحاملات له وتشكل حماية كبيرة للرضيع من خلال التحكم بفتح الميزب، وذلك بضم طرفي الميزب لبعض لتضيق مساحة الفتحة خلال نوم الرضيع فتحميه من سقوط الأشياء علية من أعلى ، وتسهم في الوقت ذاته في توفير الوضعية الصحية والآمنة للرضيع بجعله ينام على جانبه وبذلك يتجنب الاختناق من الاسترجاع للبن , وضم جسمه لبعضه والاستغناء عن الربط واللف ، وأثناء تجوالنا في تلك الدكاكين أكد أحد أصحابها أنهم يبيعون أعداداً لا بأس بها من"الميزب"، مشيراً إلى أن صناعة الواحد منه تستغرق ما بين يومين وثلاثة أيام. ويضيف أن بعض الدكاكين تعرض أنواعاً من"الميزب" تستورد من اليمن لكنها أقل جودة من المصنوع محلياً. ويقول إن سعر الأجود من"الميزب"يصل إلى ألف ريال، بينما المستورد لا يزيد سعره على 300 ريال وتتم صناعته بأساليب مختلفة ويزود بزخارف جميلة. جاءت هذه الزيارة لدكاكين سوق نجران الشعبي أثناء زيارتنا الاعلامية السياحية التي قمنا بها لمنطقة نجران وذلك بدعوة كريمة من وكيل إمارة منطقة نجران عبدالله ابن دليم القحطاني حيث كنا بضيافة الإمارة لمدة عشرة أيام تم من خلالها زيارتنا لعددٍ من المواقع السياحية والتراثية والأثرية بالمنطقة وذلك لعمل تقارير إعلامية تعكس ما تشهده منطقة نجران ومحافظاتها من نهضة تنموية في كافة المجالات وإظهار ما تميزت به المنطقة من تطور وجماليات أثرية وسياحية ونهضة عمرانية توحي بنقلة نوعية غير مسبوقة وخاصة في المجال السياحي. 9