نعمة العافية لا تقدر بثمن سواء عافية الدين أو عافية البدن. لا أريد أن أتحدث عن عافية الدين في هذه الخاطرة فلي معها حديث آخر .. مقامي هنا عن عافية البدن! فقد ذكَّر الرسول صلى الله عليه وسلم بعافية البدن، فقال:"من أصبح منكم آمنا في سربه معافىً في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"[1] فالإنسان روح وجسد وكلاهما لا ينفكان عن بعضهما البعض، فإذا تأثر الجسد خارت قوى الروح، وإن تأثرت الروح وفارقت الجسد؛ تهالك وضعف وانتهي! فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"[2]. إذاً ما أجمل العافية، وما أغلاها! ولهذا قالوا في المثل العربي الشهير : ( الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرف قدرها إلا المرضى ). نعم والله، لقد رأيتها على رؤوس من زارني وأنا حبيس المرض في المستشفى, رأيت بأم عيني تلك التيجان المتلألئة بياقوت العافية، والمرصعة بجواهر الصحة والحيوية! نعم رأيتُها، وأدركت طعمها عندما افتقدتها! إن المرض ناقوس خطر ينبهنا إلى مدى غفلتنا، وإهمالنا في ذلك الكنز الذي لا يعوض، فعندما تضعف أجسامنا وتنهار قوانا؛ ندرك ساعتها أنه لا مقاومة تنفع، ولا حماية تمنع... نستسلم لما ألمَ بنا،ونستلهم العون والمدد من رب الأرض والسموات، ثم بما في أيدي الأطباء من أسباب مادية توصلنا إلى القضاء على عدو العافية! وكثيراً ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم دعاءه بالعافية، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "ما سئل الله شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية" [3]، وقال صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية" [4]. فعلينا أن نقدر هذه العافية ونعمل بأسباب الوقاية من الأمراض لنتجنب الأضرار والأدواء التي بسببها يعتل الجسد، فنفقدَ لذة العافية، وفي المثل الشهير: "درهم وقاية خير من قنطار علاج»، ولذا فإن الوقاية من الأمراض، ولا شكَ، أفضل وأقصد من العلاج بعد الإصابة بها. ولذا نبهنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة: فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"[4]، ففي قلة الأكل عافية للبدن! وقال الطبيب العربي الحارث بن كلدة مقولته الشهيرة" المعدة بيت الداء"، و قد صدق في مقولته، التي أثبتها الطب الحديث؛ أن أغلب الأمراض التي يصاب بها الإنسان أسبابها من المعدة، وقبل ذلك حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. لذا علينا ان نحافظ على هذا التاج، حتى يبقى مرفوعا فوق رؤسنا، مُتَلالِي بنور العافية. عافانا الله وإياكم من كل الأمراض، وشفى وعافى كل مريض ومبتلى.