كثيرون هم الذين كتبوا عن المسيار و عن زواج المسيار .. و لكنني هنا سأتناول الموضوع من زاوية المرأة فهي المتضرر الأكبر في هذا الموضوع بالذات . إن الله كرَّم ابن آدم بصفة عامة و كرَّم المرأة بصفة خاصة ، و يكفي بنات حواء شرفاً بأن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم قد خصَّها دون غيرها و أوصى بها في حجة الوداع حيث قال ( أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ .. الخ الحديث الشريف ) [رواه الترمذي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ] فهذا الحديث عميق المعنى .. وقوي المدلول على رفعة مكانة المرأة في الإسلام فلكَ الحمد ربي بما أكرمتنا به نحن النساء في هذا الدين العظيم ، و ما خصصتنا به من ميزات هي الرِكازة و الدعامة القوية لحياة كريمة تحسدنا عليها مثيلاتنا من الأقوام الأخرى في هذه المعمورة .و الذي يُدهشُ لهُ مع الأسف أن هُناك من تضُيِّع الشيء الكثير من هذهِ الميزات التي حباها اللهُ بها ، إما لجهلها أو لضعفها أو لسلبيتها و عدم إدراكها ما خلف الأُمور ، فتتنازل و تُهدر من كرامتها الشيء الكثير ، و تضع نفسها و بنفسها في شبُهات هي في غِنىً عنها ، فتقبل بزوج يأتي إليها خِلسة بعيداً عن أعين الناس قد يُريب بعضهم بوضعها الغير عادي ، و ذلك لقبولها به عن طريق عقدٍ مُختٓلفٍ بجوازه بين جمهور العلماء ، فبعضهم جوزوه من جهتين و ذلك بالنظر لصيغة العقد من حيث توفر الولي و الشاهدين و لتباين ظروف الناس ، و البعض الآخر لديهم عليه مآخذ .. فالزوج هنا له الحق أن يشترط السرِّيه في الزواج لجبنه أولاً و بحجة محافظته على زوجته الأولى التى تظل في غفلتها و بيته و أبنائه و يسلَم هو من وجع الرأس فيحافظ على بيته الأول و يستمتع بالزوجة الثانية رغم أنه من حقه التعدد ! .. يا لهُ من موقف متمايل غريب من رجُلٍ كهذا ! .. أو قد يتفق معها بعدم الإنفاق عليها و تأمين سكن لكليهما يكفي أنه يُسيِّر عليها لقضاء حاجته و قتما يريد ، و هي عليها عدم مطالبته بالعدل و لا حتى بالظهور معه للملأ كزوجة مع زوجها . و لا يوجد هناك اختلاف بين أهل العلم على وليمة الزواج ، فقد كان هديه صلى الله عليه وسلم في النكاح الحض على تيسيره ، والقيام على إعلانه وإظهاره ، وإظهار الفرح والبشر به ، فهذه الدعوة تعني إشهار الزواج فقد روى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ ) وحسنه الألباني ، وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ الله عنْهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ لما تزوج ( أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ ) متفق عليه وقال بعض العلماء أنها واجبه وأنه من الواجب الحضور للوليمة إذا دعي إليها ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا ) متفق عليه ، كذلك قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول العلماء رحمهم الله : إنه تجب إجابة دعوة العرس ، أي أول وليمة إذا عيَّنه سواء بنفسه ، أو بوكيله ، أو ببطاقة يرسلها إليه ، بشرط ألا يكون في الوليمة منكر ، فإن كان فيها منكر ففيه تفصيل . طبعاَ هذا غير وارد في مثل هذه الزيجات التي تقتصر على الولي و الشاهدين حِفاظاً على سرِّيته ، أليس هذا تشويه لمفهوم الزواج و قدسيته و التي ذكرها سبحانه و تعالى في كتابه المبين ؟ حيث قال ( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21] .. فكيف تأتي المودة والرحمة بدون عشرة سليمة و عدل بين الزوجتين في كافة الحقوق و الواجبات و الحفاظ على وضعية زوجته اجتماعيا و انسانياً ؟ فالزوجين هما النواة الأولى لتكاثر الأمة ، و إنشاء نشىء جديد .. فكيف يكون نتاج هذا النشىء من زيجةٍ سرِّية كهذه ؟. السؤال هنا .. لماذا تقبل بعض النساء مثل هذه الزيجات ؟ من الأسباب التي ذُكرت أنه قد تكون المرأة تحتاج للبقاء في بيت أهلها أو بجوار أحد والديها لمرض أحدهما و حاجته للرعاية !! .. إنه لمنطق غريب !! فبإمكانها اشتراط ذلك في عقدِ مُعلن شرعي .. أو قد تكون مطلقة و لها أولاد و لا تريد أن يعلم زوجها الأول بزواجها مرةً أخرى فيحرمها من أبنائها و لها رغبة بزوج في حياتها فتضطر إلى وضع نفسها في زواج سرِّي حتى تُبقى أولادها بين أحضانها و هنا تُدفع المرأة دفعاً لقبول هذا الوضع مع طليق متسلط و لا يخاف الله في نفسه و ولده ، و كثير منهم يلجأ لقهر طليقته بحرمانها من أبنائها و لو لجأت للقضاء ستدخل في متاهات ليس لها آخر و يطول موضوعها إلى أن يشاء الله حتى يُستطاع تخصيص زيارة لأبنائها ، هذا إذا استجاب الطليق و التزم بما يُحكم عليه و لم يتلاعب أو يتحايل لتنفيذ الحكم و هذا موضوع آخر .. فتضطر لقبول هذا الزواج الذي لم نسمع شيء عنه في عهد نبينا محمد عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم . مسكينةٌ أنتِ أيتها المرأة الضعيفة المكسورة الجناح فأنتِ لستِ الزوجة الثانية كالزوجة الثانية بل أنتِ في الدرجة الدُنيا قدراً و مكانةً ، فمن مصلحة زوجك أن لا يعترف بأنكِ زوجته أمام الملأ و كل من يعرفه ، و دائماً أنتِ في الظل رغم أنك زوجته شرعاً ، فكيف يكون موقفك أمام أبنائك و أنتِ القدوة لهم من زواج خفي كهذا ؟ أنتِ لستِ ضعيفة يا امرأة فأنتِ الأم التي استطاعت تتحمُّل عناء الحمل والولادة و الإرضاع .. أليس الأفضل لكِ أن تجتهدي لتطوير ذاتك و مهاراتك فكم من نساء أكملن تعليمهن مع أبنائهن على مقاعد الدراسة و أكملت دراستها الثانوية أو الجامعية و تباهت بذلك أمام أبنائها و أمام الجميع .. وكم من نساء استطاعت تربية أولادها وحدها و سعت و عمِلت عملاً شريفا و كبروا أبنائها و أصبحوا يافعين يفخرون بمن كان لها الفضل لما وصلوا إليه و يتباهون بأمهاتهم اللآئي قمن بتربيتهم . من حقكِ شرعاً و عُرفاً الزواج أكثر من مره و لا غِبار في ذلك حسب الشرع و العُرف الاجتماعي . وقفة : رسولنا الكريم صلوات الله و سلامه عليه تزوج الأرمله والثيب و البكر و حرم زواج المتعة و لم يفعله ، وتزوج و هو في الخامسة و العشرين من عمره من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وهي في الأربعين من عمرها فمنهجه عليه السلام صالح لكل زمان .. لو تزوج الآن في عصرنا هذا شاب في الخامسة و العشرين بسيدة في الأربعين .. هل يُقال حينها لتبان ظروف الناس في عصرنا ؟! أم هناك اختلافات و تباينات و اندهاشات !!