تقزمت الحروف ، وغابت الكلمات ، وعييت بما أبدأ ، هل أنعي الملك الراحل عن الفانية ، أم الانسان الخالد بقلوبنا ؛ حيث لم يعد ملكا إلا متبوعا " السابق يرحمه الله " ولمن يروق له أن يقول " السابق " ، بيد أنني أجدني حين اشاهد برنامجا وثائقيا عن مشوار الملك الانسان ، عبدالله بن عبدالعزيز .. أتوقف ثوانٍ بعد أن كدت ناسيا نفسي ، نعم هي تحدثني أنه باق وأنه هو الملك ويعود إليَّ رُشدي لأتبع .. الملك عبدالله ب " يرحمه الله " ؛ لم استوعب كلمة السابق ، فمن منا يقول عن أبيه ، ابنه ، أخيه ، أي قريب أو صديق ب " السابق " حتى وإن جاءه ابن واسماه باسم ابنه المتوفى ؛.لا يقال عنه السابق بل " يرحمه الله " فما بالك بملك ..كان خادم الحرمين الشريفين ، وابا للجميع نساء ورجالا واطفالا ، بل أجزم أنه كان ابا لكل عربي ومسلم ، وصديقا لكل إنسان عطف عليه وناله عطاء من غير منة من مكرماته في محن مرت بها بلاده أو كوارث حلت به في دولة من الدول التي تعصف بها الفتن والحروب ، والكوارث الطبيعية ، ومكرمات تلك علمنا بها ؛ اذيعت ونشرت عبر وسائل الاعلام ليس للتفاخر والسمعة بل ليقتدى به ، وما لم نعلم به من المؤكد أكثر وسيجده يرحمه الله وما علمنا به بموازين حسناته إن شاء الله . ملك يرحمه الله ؛ هو عبدالله ..لم يكن عبدا لمال أو جاه أو مكانة ، بل خادم للحرمين الشريفين ، كرَّس وقته ، جهده ، ليرسم ابتسامة على شفاه شعب أحبَّه وأجلّه واحترمه ، ووثق به ، في صحته يرحمه الله ، في مرضه ، في سفره ، في ديوان الملك ، في الأسواق ، في المرافق ، بدور فقراء همشهم روتين وزراء وقصور أمراء مناطق ، وزار جميع مناطق المملكة في بادرة لم يسبقه بها أحد على الاطلاق ، لم يزر جازان ملك قبله ، زارها أميرا وليا للعهد في محنتها مع المتصدع ، وزارها ملكا ، في أروع زيارة زارها زعيم في العالم لمنطقة كانت شبه مهمشة ، فدشن فيها عشرات المشاريع الانمائية ، ولا أتحدث عنها بالاسم فقط ، بل هي ماثلة للعيان ، أتذكر يوم وضع حجر اساس مختلف ؛ الكترونيا ، كنت والكثير معي ، لسان حالنا كم من الأعوام ستمضي دون أن تكتمل واحدة منها ، ليس لعدم ثقة ، بل لما كان من آلاف أحجار الأساس طواها النسيان بزيارات قادة وزعماء بدول أخرى ؛ حيث لم يسبق أن وضعت أحجار اساس من ملك في جازان ، فما البال بصور كانت تعرض على شاشة عملاقة فيما هو يرحمه الله يعلن بضغط أزرار عن بدء انطلاقها ، انطلق مبنى جامعة عملاقة ، مستشفيات عصرية لا نظير لها بالمنطقة ، دار إيواء تتسع لعشرات الآلاف ، دار الملاحظة الاجتماعية المدينة الاقتصادية ، مصنع الحديد والصلب ، جميع مرافق الادارات الحكومية تم الانتهاء من تشييدها والانتقال إليها ، عدا مباني إدارات الجوازات والطرق والأمانة في طريقها للاكتمال. لم يتمايز أو يظهر تفاوتا بينه وبين رعيته ، لم نشاهده يوما مهددا متوعدا ، بل شفافا صادقا لا يقول سأعمل بل يُقال عنه عمل وعمل وافتتح ، لم يصغ أو يسمح لأحد أن ينافقه أو يشي بأحد عنده ، بل يعلم القادم إليه أنه ليس أُذُناً ، ينتقي الكلمات التي لا تترك انطباعا لدى أحد عنه - يرحمه الله - باطشا أو جبّارا ؛ بل كان رجلا صادقا ، شجاعا ، جريئا ، ما بقلبه يقوله فوصل لقلوب شعب رأى فيه الأب والانسان ، لا يوجد زعيم في العالم قابله أو تحدث إليه أو اجتمع به أو بحث معه قضية من قضايا أمته العربية والاسلامية إلا وصفه بالصادق الشجاع والصريح والحاسم ؛ الذي يترك انطباعا راسخا أنه لا يمكن إلا أن يصل من معه لقناعة بأن لا سبيل له إلا اليقين ألا موقف لديه سيغلفه بدبلوماسية فضفاضة ، أو يعمد لتعويم الحقائق بمداورات ومناورات ، فيدركون ألا سبيل إلا اليقين أن هذا هو موقف ملك صادق يقود شعبا جميعهم له سندا لم يخدعهم أو يسبق ان ضاق احد جهرا أو همسا بقرار اصدره ، بل كان انبهارهم وغبطتهم هي الطاغية على مداركهم امتنانا لله ثم للملك الانسان عبدالله ، وقد تلمس بنفسه حوائجهم وقضاها فلم ينسوا قوله بعد رحلة علاجية "لا تنسوني من دعائكم " التقطوها بيقينهم أن لسان حال والدنا : " لا تمتدحونني فلا أقرر شيئا أو أمر بشيء الا أن لكم حقا فيه ولا أتصدق به عليكم " .ولا أنسى وقد كررت ذلك مرات ، حين قال لوفود من جميع مناطق المملكة : " لا تمتدحوا ما قامت به الدولة فلم أرسل اليكم لهذا بل لأسمع منكم ما ينقص مناطقكم لأخدمكم " . حارب الارهاب ، عرّف شعبه بأن تلك مهمته لحماية وطن وكرامة مواطن فما حذلوه ، بل ساندوه ، وسخر كل الامكانيات لدحر الفئة الضالة من منضرين وممولين وداعمين ومهرجين افتتنوا بأتفسهم وبأولئك الشراذم التي لا دين لها ولا عرق في أحدهم ينبض باسلام أو عروبة ، فاستأصل شأفتهم ، وشكل بفكره وبراعة إدارته للأزمات تحالفا دوليا لدحر المسيئين للإسلام ، فاقتنع وايقن زعماء العالم ومفكروه ومثقفوه وعامتهم ، أن أولئك لا يمثلون الاسلام الحق ، وخطر على الاسلام والانسانية .قاد حوار الحضارات ، والأديان ، لارساء دعائم التعايش والسلام وفقا لدين اسماه الله الاسلام يدعو للسلام ، ولا يرتضي أبداً أن تشوهه فئات ضالة مارقة تقاد من اعداء الاسلام ، فنكس الجميع رؤوسهم ، وجاءوا ملبين دعوته وكان مؤتمر جدة الشهير الذي أجمع فيه العالم كلَّه أن تلك الحركات الصبيانية المأفونة بعيدة عن الاسلام بعد الثرى عن الثريا.نبّه العلماء والدعاة بأن واجبهم أكبر مما كان ، وأن " يطردوا الكسل " فهبّوا وكثفوا جهودهم .. رحمك الله يا خادم البيتين عبدالله بن عبدالعزيز ، يا الملك " يرحمك الله " طوبى لك وقد غادرت الفانية وأكثر من مليار مسلم يلهجون بالثناء عليك ، يدعون الله لك بالرحمة ، يذرفون الدموع فقدا لإنسان ملك، وملك إنسان ..قاد أكبر توسعة في التاريخ للحرمين الشريفين ، نصير الأرامل والثكالى والأيتام ، واستشهد بعجوز في الثمانين وهي تنتحب حين سمعت بوفاته يرحمه الله حتى أغمي عليها فلما أفاقت قالت : " كنا نقف في الشمس في بيت الشيخ " شيخ القبيلة " ثم بعد ذلك بمقر المحافظة من بعد شروق الشمس إلى قرب أذان العصر ننتظر تسليمنا مستحق الضمان الذي لم يكن يتجاوز 900 ريال في العام ، فجاء عبدالله وضاعفها اضعافا ، ومنح كل مستحق بطاقة صراف آلي في يوم محدد في الشهر تجد مستحقها بكل هدوء وراحة ، وفي كل رمضان وعيد مكرمة اضافية " وعادت تبكي حتى نقلت للمستشفى، وحين تعافت قالت : لم نقلتموني للمستشفى كانت أمنيتي أن ألحق بعبدالله ..قالتها مجردة بلا ألقاب .قلنا لها " لم يحن بعد " كله بأمر الله ، عادت وقالت : استغفر الله ..لكنه ..عبدالله .. وحقيقة أقولها : " ولو لم يقدم الملك عبدالله يرحمه الله إلا هذه المكرمة لشفعت له بإذن الله عند الحي الذي لا يموت " . رسم ببعد نظره يرحمه الله خارطة طريق تسهم في استقرار الوطن ، وتقطع ألسنة الخبثاء الحاقدين ، فأنشا هيئة البيعة ، فحسمت في ثلاثة أعوام وأنجزت بسلاسة تعيينات بمناصب بشؤون الحكم وولاية العهد ومن بعده ، فأسهمت بصدور أو امر ملكية بتعيينات ولاية العهد وولي ولي العهد وما سنّه من شفافية بأن صدر الأمر الملكي بأغلبية مطلقة ، وبإدارة دولة وبحزم الرجل الحسور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان فأصدر أوامره الملكية الستة في وقت قصير أذهل العالم بسلاسة انتقال السلطة بكامل مفاصلها ،وأقبلت زعامات ووملوك وروؤاساء وأمراء دول مشيعين ومعزين ، ومهنئين الملك سلمان على براعته وقدراته ، وأقبلت جموع المواطنين مبايعة بمقر إمارة منطقة أو مقر محافظة أو مقر مركز بكافة أنحاء المملكة ، فانبرت نكرات من خارج الوطن ، معلوم توجهها ولا تخفى على أحد تنعق حسدا من عند أنفسهم ..فلتستمر .... تنبح والقافلة تسير بإذن ربها ثم بمضاء وعزيمة قادتها وعراقة شعبها . ولقد استلم الراية ملكنا خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز ، الرجل الخلوق ، الاداري الناجح ، والسياسي المحنك والانسان ، فهنيئا لنا شعب المملكة العربية السعودية ، ونحمد الله أن قيض لهذه البلاد ملوكاً أقوياء بالحق رحماء بشعبهم ، يحملون هم أمة عربية واسلامية ، فالأنظار والقلوب تعقد الرجاء على الله ثم على قائد الأمة سلمان بعد أن وطد عبدالله يرحمه الله ثوابت راسخة لنصرة المقهورين ليس بالسلاح والتحريض بهدف الزعامة والقوامة على أحد ؛ بل كان يراه واجبا على وطن يحتضن قبلتهم وثراه يحتضن خير خلق الله صلى الله عليه وسلم ، وبلاد حرمين يشد إليهما الرحال ، ومليار مسلم لم ولن يجدوا من يثقون بهم سوى قادة هذا البلد ، طبقوا شرع الله ، اسهموا في تنمية دول وشعوب ، سخَّروا جهودهم وأنفقوا بسخاء لتنمية متوازنة لدولة هي بموقع القلب بالجسد ، وصوت العقل بعالم عربي مضطرب . نسأل الله لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ولولي عهده الأمير مقرن ، ولولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف ، ولكافة الأسرة المالكة والحكومة ، العون والتوفيق ، ورحمات ربي وعفوه وغفرانه للملك الانسان عبدالله بن عبدالعزيز ، وان يسكنه الفردوس . 1