وظيفتهم- عددهم – جنسيتهم تتمركز معلوماتنا عن السحر وعالم الجن في الأساس, حول الموروث الشعبي الذي تختلط فيه الحقيقة بالخرافة, والسبب في ذلك هو نشاط الخيال الشعبي في البحث الغيبي, وهو ماتسرّب بوضوح في كتب التراث المختلفة التي شاركت كتابتها أجيال وأجيال من الكتاب عبر عصور طويلة, سواء أكانت كتب التراث هذه إسلامية أو غيراسلامية. وقد اخطأ كثيرون عندما خلطوا هذا الباب كلا من الناحية العلمية بالناحية الأدبية, فلم يميزوا بين الرواية والدراية, ففي الأولى وهي الناحية العلمية القرآنية اليقينية, يكون حديثنا عن الحق الذي لا ريب فيه, وفي الثانية يكون حديثنا من باب الثقافة الأدبية والشعبية من اجل المتعة والتسلية والاطلاع على أفكار وثقافاتها تأويلاتها للأحداث. مهمتهم المحددة: من تلك القضايا التي شغلت الثقافات الشعبية كانت قصة ( سحرة فرعون), جنسيتهم وأعدادهم ووظيفتهم, فعلى الرغم من اختلافات في القصة بين المسلمين وأهل الكتاب, فإنهم جميعا يتفقون على أن ثمة معجزة قام بها نبي من أنبياء الله انتصر فيها على سحرة فرعون, لكن القرآن يخبرنا أن نبي الله المقصود هو ( موسى عليه السلام), ويروي قصته بشيء من الإجمال البديع, في حين يرويها أهل الكتاب ويدونونها على التوراة ويصفون أن صاحب المعجزة هو هارون ( عليه السلام) ففي سورة الأعراف الآيات ( 109-126) يقول الله عز وجل: [قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ ۖ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) ۞ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ۚ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)] وفي هذه الآيات من سورة الأعراف (109-118) إجمال وتوضيح لقصة سحرة فرعون مع موسى حتى انتصاره عليهم. وقد وردت القصة في مواضع أخرى في سورة يونس وطه والشعراء. لكن الاختلاف الذي بين القصة القرآنية والقصة التوراتية يتمثل في عدة مواضع, منها أن الكتاب المقدس يروي أن صاحب العصا هو هارون وليس موسى, فيقول الكتاب المقدس في روايته في سفر الخروج ( الإصحاح السابع:8-13): وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلاً:إِذَا كَلَّمَكُمَا فِرْعَوْنُ قَائِلاً: هَاتِيَا عَجِيبَةً، تَقُولُ لِهَارُونَ: خُذْ عَصَاكَ وَاطْرَحْهَا أَمَامَ فِرْعَوْنَ فَتَصِيرَ ثُعْبَانًا».فَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَفَعَلاَ هكَذَا كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ. طَرَحَ هَارُونُ عَصَاهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عَبِيدِهِ فَصَارَتْ ثُعْبَانًا.فَدَعَا فِرْعَوْنُ أَيْضًا الْحُكَمَاءَ وَالسَّحَرَةَ، فَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ أَيْضًا بِسِحْرِهِمْ كَذلِكَ. طَرَحُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ فَصَارَتِ الْعِصِيُّ ثَعَابِينَ. وَلكِنْ عَصَا هَارُونَ ابْتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ. فَاشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ. وظيفة السحرة: كما يتضح من القران إن السحرة حضروا مشهدا واحدا فقط. فكانت لهم وظيفة محددة أمام ثعبان موسى المبين, لكنهم – وفقا لأهل الكتاب- كانت لهم وظائف أخرى, فالقرآن إذ يحكي أن الله قد سلط ( الضفادع) على آل فرعون من بين عدة آيات في سورة الأعراف (الآية 113): (فأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) ولم يذكر القرآن أن السحرة حاولوا مواجهة موسى في ذلك, لكن أهل الكتاب يقولون 0 سفر الخروج: الإصحاح السابع/8) : [وفعل كذلك العرافون بسحرهم واصعدوا الضفادع على أرض مصر] فبدلا من أن يقضي سحرة فرعون على ضفادع موسى اخرجوا هم ضفادع أخرى وزادوا الطين بله! كذلك يذكر الكتاب المقدس جهود السحرة في مواجهة البعوض قائلا: ( الخروج الإصحاح السابع16-19): ثم قال الرب لموسى: قل لهارون: مد عصاك واضرب تراب الأرض ليصير بعوضا في جميع أرض مصر ففعلا كذلك. مد هارون يده بعصاه وضرب تراب الأرض، فصار البعوض على الناس وعلى البهائم. كل تراب الأرض صار بعوضا في جميع أرض مصر وفعل كذلك العرافون بسحرهم ليخرجوا البعوض فلم يستطيعوا. وهكذا تبدو بعض الاختلافات في وظائف السحرة التي دونها القرآن ودونها الكتاب المقدس مواطن السحرة: لم يذكر القرآن موطن سحرة فرعون , لكن السياق يرجع أنهم من مصر, قدموا لمواجهة بني إسرائيل ونبيهم, فلو كانوا من بني إسرائيل لكانوا في طرف موسى. وفي بعض التفاسير مثل تفسير أبي حاتم يذكر في سياق حديثه عن أعداد السحرة يذكر منشأ السحرة فيقول: السحرة ثلاثمائة من قرم وثلاثمائة من العريش ويشكّون في ثلاثمائة من الإسكندرية: أي أن الغالب عليهم هو أنهم مصريون, ولا ندري ماذا يقصد بمنطقة ( قرم), فهل هي منطقة من مناطق مصر كالعريشوالإسكندرية, أم يقصد بها ( القرم) التي هي شبه جزيرة تقع في شمال البحر الأسود. وفي أكثر من موضع يشير الكتاب المقدس إلى أنهم مصريون, فيقول في ( سفر الخروج الإصحاح السابع/11): فدعا فرعون أيضا الحكماء والسحرة ففعل عرافو مصر أيضا بسحرهم كذلك] (وفي سفر الخروج الإصحاح السابع/22): [وفعل عرافو مصر كذلك بسحرهم.فاشتد قلب فرعون فلم يسمع لهما. كما تكلم الرب] أعداد السحرة: يبالغ المفسرون جدا في سرد أرقام وحكايات غير موثوقة حول أعداد سحرة فرعون وهويتهم, وهو مالم يصح فيه شيء, وقد جمع القرطبي من ذلك قوله: قال ابن عبد الحكم: كانوا اثني عشر نقيبا. مع كل نقيب عشرون عريفا, تحت يدي كل عريف ألف ساحر, وكان رئيسهم شمعون في قول مقاتل بن سليمان. وقال ابن جريح: كانوا تسعمائة من العريشوالفيوموالإسكندرية أثلاثا. وقال ابن إسحاق : كانوا خمسة عشر ألف ساحر, وروي عن وهب وقيل كانوا اثنا عشر ألفا قال ابن المنكدر: ثمانين ألفا وقيل كانوا ثلاثمائة ألف ساحر من الريف. وثلاثمائة ألف ساحر من الصعيد, وثلاثمائة ألف ساحر من الفيوم وما والاها وقيل: كانوا سبعين ألف رجلا وقيل : ثلاثة وسبعين وكان معهم فيما روي حبال وعصي يحملها ثلاثمائة بعير, فالتقمت الحية ذلك كله. قال ابن عباس والسدّي: كانت اذا فتحت فاها صار شدقها ثمانين ذراعا. واضعة فكها الأسفل على الأرض وفكها الأعلى على سور القصر وقيل: كان سعة فمها أربعين ذراعا, فقصدت فرعون لتبلعه, فوثب من سريره فهرب منها واستغاث بموسى, فأخذها فإذا هي عصا كما كانت, قال وهب مات من خوف العصا خمسة وعشرون ألفا. والله اعلم. المصادر والمراجع القرآن الكريم سفر الخروج (تفسيرلابن أبي حاتم) تفسير القرآن العظيم لابن ابي حاتم: تأليف أبي محمد عبدالرحمن بن محمد بن ادريس بن المنذر التميمي, الحنظلي , الرازي, ابن ابي حاتم ( المتوفى: 327ه), تحقيق : اسعد محمد الطيب, مكتبة نزار مصطفى الباز – المملكة العربية السعودية, الطبعة: الثالثة-1419ه (تفسير القرطبي) الجامع لأحكام القرآن, تأليف أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي ( المتوفى 671ه) تحقيق: