موجودون بيننا همٌهم التقاط الأخبار ونقل الكلام بالزيادة عليه أو النقصان، وان استمعوا حديثك مع الآخرين شنَفوا الآذان وكأن الأمر يعنيهم على الخصوص، لا يسرهم نجاحاتك، ولا يفرحون لك بمغنم، ولا يكترثون بما أصابك، يمكن أن يطلق على الواحد من هؤلاء الفضولي أو"الحشري" أي الذي يحشر نفسه أو يتدخل فيما لا يعنيه، وقد قيل قديماً " من تدخل فيما لا يعنيه لقي مالا يرضيه" . بل ربما أن من أسماه بالحشري قد أصاب عين الحقيقة نسبة إلى الحشرة التي تؤذيك بالتطفل بلدغك تارةً، أو أن تفسد عليك طعامك أو راحتك في منامك. يتدخلون أول مرة فيما لا يخصهم فتعرض دفعاً للحرج عنهم، ثم يعودون لما فعلوا وكأنهم لا يفهمون سبب إعراضك عنهم، وقد تنصحهم أخرى على انفراد بقصد مصلحتهم بدلاً من توبيخهم لكنهم لا يتورعون، فتراهم في غيهم يعمهون. وإن صادف حضوره في مجلس مع أمثاله ومن على شاكلته وقد أفضت له بسر أو بسطت له خبراً يعنيك، فلربما كنت فاكهة المجلس حينئذ، ولا حظت وقتها من يصطاد في الماء العكر. مثل هذا طبعه غالب- فأقلل من مخالطته إلا ما كان منه بدٌ، وإن اضطررت لمعاشرته فعم عليه أمورك، وعامله بلطف، والتزم معه الصمت ما أمكن، ولا تطلعه على أسرارك ولا على ما ترمي عمله في شؤونك أو حياتك اليومية، فمثله ينتظر منك كلمة أو خبر أو معلومة حتى يذيع بها متحدثاً يزيد عليها وينقص، يسألك فتجيبه فيبدي لك رأيه دون أن تطلب نصيحته. أقول لهذا وأمثاله دع الخلق للخالق والأخذ بالحديث النبوي الكريم" ويكره لكم ثلاثاً : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" وحديث "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع" وأنصحه بتذكر عيوب نفسه واصلاح شأنه وامتثال قول الشافعي : لسانك لا تذكر به عورة امريءٍ ..........فكلك عوراتٌ وللناس ألسنُ وعينك إن أبدت إليك مساوئاً ...........فصنها وقل يا عين للناس أعينُ. ومضة: نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس : الصحة والفراغ. 1