يظل الفساد رافعا رأسه ومكافحته ليس منوطة فقط بهيئة لمكافحته وإنما الى نزعة إيمانية وضمير حي لدى كل مواطن ، من المحير أن يتم التعايش معه ويبقى هو الكلمة التي ينبذها كل مواطن لكن هل كل المواطنين لا فاسد بينهم هنا اعني الفساد المالي والاداري .. ولولا ضعف الوازع الديني لما كان هالك فساد أخلاقي يسير الى جانبه هوى مضطرد يقود الى الفساد المالي والاداري ، فبدون تحصين النفس وتقوية ايمانها من المستحيل أن يمكن حتى تقليص هامش الفساد ، ولا يقتصر الفساد على الفساد المالي والاداري لكنه يبقى هو الأشد لأنه يطال مجتمعا بأكمله ، يتأذى منه ، فأي سلوك يقترفه المرء ويخشى بل ترتعد فرائصه إن علم به سواه ، وفي الأثر : " الاثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس " , ونسي أن فوق كل ذي عليم عليم ، يعلم خائنة الأ عين وما تخفي الصدور. ومن نهجنا أن ننسى بل نتناسى ما سببه فساد إلا ونواجه بعد سنين بفساد ننهض معه نكتب ونحلل ونتخذ قرارات ولم نتعظ مما سبق , وبأن سوء التخطيط وعدم استشراف المستقبل ببرامج تقلص هامش تأثير مما قد يتكرر من هكذا حالات مشابهة ، قد يقول قائل : الكل يمارس فساداً ويَستَحِلُ بذلك أي فساد , نقول له : وهل ستحاسب لوحدك أم مع أحد ، فلن يغني عنك أحد ، في يوم تجادل كل نفس عن نفسها . فلولا الفساد لما وقعت آثار بحجم ما خلفته كارثة جدة ولكان أمكن تقليص حجم خسائرها ، ولولا الفساد لما تفاقم مرض حمى الوادي المتصدع بجازان ، ولولا الفساد لما استفحل واستعصى أمر فايروس كورونا ولكان هنالك خطط وضعها الخبراء من تشييد أو تخصيص مشافٍ تختص باستقبال الأمراض الفيروسية , ومن نتائج سوء التخطيط الذي يعد أحد ابرز أسباب نشوء نشوء الفساد أن صحونا مرتبكين لم نجد مشفىً واحداً متخصصا باستقبال حالات فيروسية ، خاصة وسبق أن بوغتنا بمرض حمى الوادي المتصدع في جازان ، وانفلونزا الطيور ، والخنازير بمختلف مناطق المملكة ، وحاليا فيروس كورونا . ولنأخذ مثالا حيَّا في جدة والمنطقة الشرقية وغيرهما لم نجد مستشفىً تم التخطيط له لاستقبال هكذا حالات ، ولم نعد كوادر طبية و تمريضية متخصصصة لهكذا حالات ، و في جازان ، مستشفى الملك فهد يرفض استقبال حالات يشتبه بإصابتها بفيروس كورونا وهو محق في ذلك خشية أن ينتقل للمرضى المنومين كما هو بمستشفى الملك فهد بجدة ، وهنا مكمن العلة ،عينات تنتهي مدة صلاحيتها بإدارة الطب الوقائي ، ثم يجري تحليلها مخبريا فتكون النتائج سلبية ، تصرف مئات الملايين لتزيين وتجميل منشآت صحية كان الأولى لو صرف منها ما ينفق لكل عام بهكذا مشاريع استعراضية أن تبنى بها منشآت للحجر الصحي بكل منطقة بل بكل محافظة بخطة خمسية ، لما اضحت هنالك معضلة في البحث عن مشفىً لينوم فيه المصاب لا يتوفر على مختبر مجهز ويتم فيه التأكد من هكذا حالات . وقد يقول آخر وما بالك بأمم لا دين لهم أو دينهم باطل ومع هذا تجد أغلبهم مسؤولين وغير مسؤولين ليسوا بحجم من يقترفون الفساد بدول عربية واسلامية ، نجيبه : أن الفطرة الانسانية في كل مخلوق وإن كان عاصيا أو كافرا أو ملحدا لا يمكن أن يتوه عن الحق وماله وما عليه ، ويعلم أن حق العامة وحق الأفراد ليس له إلا بمقدار جهده وسعيه موظفا كان أو عاملا أو أجيرا ، أو تاجرا أو مزارعا ، ولا نقول لا فساد بالمطلق لدى غير المسلمين ولكن الحق يجب أن يقال , فالدين كلٌ لا يتجزأ نعم هنالك معاصي يقترفها المسلم إلا من رحم ربي "كلكم خطاؤون وخير الخطائين التوابين "، لكن تختلف خطيئة عن خطيئة . و حين يقصر انسان في عبادة أو في سلوك شخصي يضره هو ولا يتعدى ضرره مجتمع بأسره ، فيتوب ويستغفر أما من يفسد في ما اؤتمن عليه من مال أو من أي شأن من شؤون العباد فذلك معلق بعفو من طاله ضرر من فساد مالي أو إداري أو خلقي . وإنك لتعجب أن يحقق مع موظف بسيط في مخالفة مالية قد تكون خطأ فردياً أو حالة ضعف إنسانية لحاجته واضطر إلى ذلك، نعم هو أخطأ ويعاقب ، بينما تجد من يأمر بالتحقيق معه والغٌ في الفساد إلى قمة رأسه في فساد خلقي أو مالي وسوء إدارة ، هنا لا أقصد معينا وإلا لاحتجت إلى موسوعة ، لكن من الطبيعي أن يوجد بأي مجتمع وما أكثرهم بمجتمعاتنا العربية والاسلامية. يجب أن نفاخر بأننا مسلمون ومؤمنون بالله وأن ديننا هو الدين الحق ، وأن قرآننا هو المنزه عن التحريف وقد تعهد الله بحفظه , وبأننا بشر نخطئ ونصيب ؛و لكن لن تنفعنا صلاتنا وصيامنا وحجنا وعمرتنا وزيارتنا وأذكارنا إذا كانت فقط مجرد عادة لا اعتقاد ، فحين تكون اعتقادا من المؤكد ستصرفنا عن كل فساد , لا أن نستغل مناصبنا وصلاحياتنا بأساليب ملتوية لتحقيق مكاسب مادية يعرف من يقترفها قبل غيره أنها ليست له ،أونقترف ممارسات غير أخلاقية بما لا يحل لنا . متى كان ذلك لا أقول سينتهي الفساد بالمطلق بل سيصبح محاصراً متى كان هنالك رقابة ذاتية تنبع من ذات المسلم ، ومؤسسات رقابية تحاسب وتوقع العقاب الفوري بما فيه التشهير ، ومن رحمة الله أنه الستار ولا يكشف أستار مسلم إلا بعد أن يمعن ويمعن ويستمرئ الفساد وأضر فساده بالآخرين ، بمعنى فسادا ماليا أو إداريا ؛ عن عثمان -رضي الله عنه، ويروى عن عمر رضي الله عنه-: (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، معناه يمنع بالسلطان باقتراف المحارم وما يشابهه كالفساد أكثر ما يمنع بالقرآن؛ لأن بعض الناس من ضعف ايمانهم لا تؤثر فيهم زواجر القرآن ونواهيه ، بل يقترفوا فسادا أخلاقيا او ماليا أو إداريا , فمتى علموا أن عقوبة ستحل بهم خافوا من العقاب وارتدعوا . ومالم يكن هنالك تخطيط مؤسس على عظة مما هو كائن وبدائل جاهزة لحالات الطوارئ وتدريب وتقويم مستمر ومحاسبة وثواب وعقاب ، وقبلها وازع ديني حيَّ ، وتمحيص من يتم اختياره لقيادة منشأة أو إدارة حكومية ومتابعته ومراقبته ، فالمجموع أهم من الفرد ، والصدق والشفافية أولى من المجاملة والتبرير وتنفيذ خطط استراتيجية أولى من خطط تكتيكية ترقيعية و متى تلاشى الفساد من أنفس من اؤتمنوا على حياة الناس ، ومعيشتهم ومستقبل أجيالهم ؛ عندها يصح أن نقول أننا بدأنا الخطوة الأولى في طريقنا الطويلة أفرادا ومسؤولين لمحاربة الفساد ، وبشفافية دون تنصل من مسؤولية ، لا نقول كشفافية الفاروق حين قال : " لو عثرت دابة في العراق لخفت أن يسألني الله عنهالِمَ لَم تُصلِح لها الطريق يا عمر" . لكن بتكاتف الجميع خاصة أن كل وزير أو مدير عام أو مدير ارتضى وقَببلَ بتحمل المسؤولية تكليفاً لا تشريفاً ،فالدولة اعطتهم أجرا بمرتبات عالية ومميزات ومخصصات وعليهم الاخلاص وتحمل المسؤولية بأمانة ، وبدون ذلك ستظل هيئة مكافحة الفساد شعاراً ..واليد الواحدة لا تصفق ؛ يحضرني هنا قول الشاعر الكبير محمد إقبال : إذا الإيمان ضاع فلا أمان =ولا دنيا لمن لم يحي دينا و من رضي الحياة بغير دين= فقد جعل الغناء لها قرينا و في التوحيد للامم اتحاد =ولن تبنوا العلا متفرقينا ألم يبعت لأمتكم نبي =يوحدكم على نهج الوئام ومصحفكم وقبلتكم جميعا= منار الآخرة و السلام وفوق الكل رحمن رحيم= إله واحد رب الأنام