السبب الرئيس للثورة المصرية هو الفقر والبطالة والكرامة التي أصبحت على المحك نتيجة الأوضاع الاجتماعية السيئة .. فالمصريون كانوا يتمتعون بهامش حرية لا تعرفه الكثير من الدول العربية فلم تكن ثورتهم لأجل الحرية . كما أنه ليس من الممكن لحكومة مبارك أن تفعل شيئا فالوضع الاقتصادي المصري كان مترديا منذ أحقاب طويلة فلا الحكومة عالجت هذا الوضع ولا الشعب دق ناقوس الخطر .. والكل كان يمارس النهب والنصب والفساد حكومة وشعبا ونخبة وقادة وعلماء إلى آخره. وفي ظل الوضع المتردي الصامت استغل الإخوان المسلمون ذلك ورفعوا شعار : الإسلام هو الحل. ونتيجة لبؤس الشعب المصري - والغريق يتعلق بقشة كما يقال - فقد صدق المصريون ذلك الشعار متناسين السبب الرئيس للأزمة التي صنعها الجميع حكومة وشعبا ومثقفين منذ سنين عديدة . في ظل هذا الحلم والغفلة وعدم النظر بعمق للأزمة توهم المصريون أن الديموقراطية هي الحل السحري السريع لأزمتهم فاستعجلوها حيث كانت الفرصة مناسبة للإخوان كي يفوزوا بالحكم الذي انتظروه طويلا وكان بإمكانهم أن ينجحوا لو لم تكن البلد منهارة تماماً والشعب يريد حلولا عاجلة وسريعة لجني ثمار ثورته المتأخرة جداً . لو كان الإخوان أذكياء لما قبلوا الحكم في هذه الفترة لأن سقوطهم الوشيك الآن هو سقوط نهائي وفشل ذريع لمنهج الإخوان في كل مكان وله تبعاته أيضاً على الإسلام السياسي في العالم الإسلامي كونه فشل في الحكم بعد أن كان حلما لكل المسلمين. عموما ليست هذه هي المشكلة والسؤال الملح والمطروح حاليا : إلى أين تتجه مصر؟ وما نتائج ثورة المصريين؟ في ظل معادلة تشير إلى أنه لايمكن أن يتغير الوضع الاقتصادي وينعم الشعب المصري بحياة كريمة أفضل من السابق نوعا ما إلا بعد سنين طويلة جدا مقرونة بعمل منظم دؤوب ومعاناة لا تقل عن فترة المعاناة السابقة إن لم تكن أكثر . فهل سيصبر المصريون بعد أن نفد صبرهم من الصبر نفسه؟ أم ستبقى الأزمة كما هي وستزداد سوء وقتامة سوداوية ودراما مأساوية تمزق الشعب المصري شر ممزق وما يتبعه من تداع على الدول العربية أيضا ؟ إن المصريين الآن بأمس الحاجة للعقل والمنطق والواقع وليسوا بحاجة للأحلام في ثورة لن تجلب لهم إلا الخيبات تلو الخيبات وربما دمرت البقية اليسيرة من مقدرات مصر. لم تكن مصر ضعيفة جدا كما هي الآن بل هي أضعف مما نتخيل وأنها تعيش على خيال كرتوني هش ونمر من ورق فلا اقتصاد ولا بنية تحتية ولا نظام وفساد مستشر في كل مكان ولم يبق من أحلامها إلا جيش قديم سيدخل المعترك السياسي قريبا شاء أم أبى وسيكون آخر حلم كرتوني يتهافت لتصحو مصر على آخر كذبة مصرية عاشت عليها الأجيال منذ عبد الناصر حتى الآن . نعم .. إن مصر عظيمة وشعبها عظيم لكن يجب أن يستيقظ المصريون فلقد ناموا كثيرا وحلموا كثيرا وضحكوا كثيرا وكذبوا كثيرا .. ولكل شيء نهاية. 1