لطالما كان النظام السوري ومنذ عهد الرئيس حافظ الأسد رحمه الله وحتى يومنا هذا نظاماً قوياً متزناً يتقن التعامل مع لعبة السياسة الدولية، ويحسن استثمار ما لديه من إمكانات بشكل ذكي يثير الإعجاب، فقد استطاع تجاوز الكثير من الأزمات والمنعطفات التي فرضتها تعرجات السياسة والمصالح بين الدول!!!!! وهو النظام العربي الوحيد الذي تمكّن من تحقيق مكاسب كبيرة من الحليف التقليدي لليسار العربي ( الاتحاد السوفيتي ووريثه الشرعي روسيا)، واعتمد النظام السوري في معركته السياسية على استغلال التناقضات وتضارب المصالح التي اجتاحت الواقع السياسي في الشرق الأوسط من وقت لآخر، وشكّلت فرصاً ذهبية لمن يتقن استغلالها وتوظيفها، وتمكّن بفضل ذكاءه وسياسته المحنّكة من أن يحصّن نفسه جيداً ويُبقي على توازن حذر حفظ له مكانةً سياسية جمع من خلالها بين الثبات على قيم المقاومة والصمود أمام إسرائيل، وبين قطع الطريق على حلفاء إسرائيل من اصطياده واستفزازه كما حدث مع الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله. وبعد تولى الرئيس بشار الأسد لمقاليد الحكم بقي محافظاً على النهج السياسي الذي رسمه والده مع منح المرونة اللازمة التي تتلاءم مع طبيعة النظام العالمي الجديد الذي انفردت فيه الولاياتالمتحدة برسم الخارطة السياسية العالمية، وعلى الرغم من حالة العداء التي تكنّها وتعلنها الولاياتالمتحدة لسوريا ، إلا أنها لم تجد ما يكفي من المبررات لمهاجمتها، وبقي النظام السوري يتعامل بحكمة عالية مع هذا الواقع تجاوز بفضلها استحقاقات الحرب على الإرهاب والشرعية التي أوجدتها دوائر الاستخبارات الأمريكية من اجل تصفية حساباتها بشكل قانوني ورعاية دولية. لكن ظروف الربيع العربي وتداعيات حرب الديمقراطية الجديدة التي أنتجتها الدول الغربية بعد ربيعي تونس ومصر؛ مكّنت الغرب ومن خلال أدواته من خلق سيناريو جديد يهدف إلى تفتيت سوريا والقضاء عليها نهائياً (كما حصل في العراق) فكان مبررها حرية الشعب السوري، وبدأت الحرب على سوريا باستخدام وإعادة استنساخ النموذج الليبي، وعلى الرغم من حجم الدعم المادي والمعنوي واستخدام كافة الوسائل القذرة من اجل إنجاح المؤامرة، إلا أنها ولله الحمد لم تتمكن من إنفاذ مكرها، فها هو الرئيس بشار الذي ومنذ عشرين شهرا ونحن نسمع أن أيامه معدودة ، ونرى ونسمع أيضاً وبشكل يومي من قنوات الكذب والفجور عن هروبه وتنقّله المستمر، نراه ومن على مسرح الأوبرا يحسم المعركة الإعلامية ويعلن فشل المؤامرة ويحرج كذب الإعلام وتفاهة الأقلام المأجورة التي راهنت على ضعفه وتمزق نظامه وجيشه . إن القارئ المستنير والمراقب الذي لا يسلّم عقله لقنوات التغرير والكذب، يستطيع أن يفهم مؤشرات فشل المؤامرة على سوريا، التي يترجمها تراجع حدة المواقف الإقليمية والدولية تجاه النظام السوري، مما سينعكس أيضا على تراجع في الدعم السياسي لدمى المعارضة الخارجية، وتراجع الدعم العسكري للحركات الإرهابية على ارض المعركة، واتجاه الدول الأوروبية نحو حل سياسي حقيقي يحفظ لسوريا وحدتها وتماسكها ويجنّب المنطقة تقسيماً طائفياً على غرار ما يحصل في العراق، إضافةً إلى أن الرهان على موقف الولاياتالمتحدة كان خاسراً منذ البداية فهي ترفض رفضاً مطلقاً سيناريو التدخل العسكري الخارجي ولا تدعمه ولا تشجعه ولن تسمح به لاعتبارات ومصالح اكبر وأهم . بقي أن أقول " أن حروب الديمقراطية الجديدة التي دمرت العراق و تُشن على سوريا وعلى غيرها من الدول العربية لم تنتج إلا أنقاضاً وأطلالاً لن تصلح إلا للبكاء والعويل".