الخيانة طبع قديمة قدم التاريخ . لعل أشهرها خيانة (بروتوس) ليوليوس قيصر وهو المقرّب جدا إليه عندما دخل عليه طاعنا بالخنجر ضمن الطاعنين عندها قال يوليوس قيصر جملته الشهيرة التي خلّدها التاريخ (حتى أنت يابروتوس ! ) وكان ذلك في العام 44 ق.م . وحتى في عصر النبوة أيام المصطفى صلى الله عليه وسلم حصلت بعض الخيانات وعالجها نبينا ( عليه الصلوات والسلام ) بطريقة رحيمة لأنه رحمة مهداة من رب العالمين . وما سبب نزول اول آية في سورة الممتحنة بغائب عن الجميع . ألا وهو رسالة التحذير التي بعث بها حاطب بن أبي بلتعة إلى بعض المشركين في مكة مع إمرأة فنزل الوحي على الرسول صلوات الله عليه وسلامه بقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ولولا فضل الله تعالى على الصحابي حاطب بن أبي بلعته رضي الله عنه بالهداية حيث كان من البدريين لصار إلى مرتبة النفاق لكن الله ذو فضل على العالمين . إن الخيانة طبع السوء . يكسب صاحبه الذل والهوان ويخلده في صفحات العار بكتاب التاريخ .(وبروتوس) أحد الذين طبعت أسماؤهم في تلك الصفحة منذ أكثر عن ألفي سنة . في عصرنا الحاضر كثرت الخيانات وتنوعت وتبدلّت أسماءها لكنها تبقى خيانة في نظر العقلاء ؛ في المجتمع مثلا لا حصرا : الرشوة إحدى صور الخيانة بل أصبح البعض يسميها عمولة . الفساد في نهب مشاريع الدولة إحدى صور الخيانة بل هي ثلاث خيانات : خيانة الأمانة وخيانة الدولة وخيانة المواطن . أسريا كم تشتت أسر بسبب حماقة من أحد الوالدين وخيانة ارتكبها بحق شريك العمر كم ابن خان اباه وكذب عليه واستغل حبه له فهوى في قاع سحيق بسبب خيانته . حتى في العشق كم عانى العاشقون لوعة الفراق وألم الحرمان بسبب خيانة الطرف الآخر للعشق . فهذا الشاعر نزار قباني يقول على لسان إمرأة عاشقة أصابتها الخيانة بعنونان ( رسالة من إمرأة حاقدة) : لا تدخُلي وسددتَ في وجهي الطريق بمرفقيكَ ... وزعمتَ لي ... أن الرفاق أتوا إليك ... أهُمُ الرفاق أتوا إليك أم أن سيدةً لديك ... تحتلُ بعدي ساعديك ؟ وصرختُ محتدماً : قفي ! والريحُ ... تمضغُ معطفي ... والذل يكسو موقفي ... لا تعتذر يا نذلُ لا تتأسف أنا لستُ آسفةً عليك ... لكن على قلبي الوفي قلبي الذي لم تعرِفِ ... ماذا لو انكَ يا دني ... أخبرتني أني انتهى أمري لديكَ وهاهو يقول على لسان رجل أصابته الخيانة وهي قصيدة بعنوان ( غدر النساء) قالت له... أتحبني وأنا ضريرة ... وفي الدنيا بنات كثيرة ... الحلوة والجميلة و المثيرة ... ما أنت إلا بمجنون ... أو مشفق على عمياء العيون ... قال ... بل أنا عاشق يا حلوتي ... ولا أتمنى من دنيتي ... إلا أن تصيري زوجتي ... وقد رزقني الله المال ... وما أظن الشفاء محال ... قالت ... إن أعدت إلي بصري ... سأرضى بك يا قدري ... وسأقضي معك عمري ... لكن .. من يعطيني عينيه ... وأي ليل يبقى لديه ... وفي يوم جاءها مسرعا ... أبشري قد وجدت متبرعا ... وستبصرين ما خلق الله وأبدعا ... وستوفين بوعدك لي ... وتكونين زوجة لي ... ويوم فتحت أعينها ... كان واقفا يمسك يدها ... رأته ... فدوت صرختها ... أأنت أيضا أعمى؟!!... وبكت حظها الشؤم ... لا تحزني يا حبيبتي ... ستكونين عيوني و دليلتي ... فمتى تصيرين زوجتي ... قالت ... أأنا أتزوج ضريرا ..وقد أصبحت اليوم بصيرا ... فبكى ... وقال سامحيني ... من أنا لتتزوجيني ... ولكن ... قبل أن تتركيني ... أريد منك أن تعديني ... أن تعتني جيدا بعيوني ... أتمنى الفائدة للجميع . ولكل خائن ندعو له بالهداية فقد يستطيع خيانة الخلق جميعهم لكنه لايستطيع خيانة الخالق فالله (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) 1