حدث الساعة المهم والذي جاء بوقت حددته أمريكا وأرادته إسرائيل واحتضنته حماس ووافقت عليه بعض الأطراف المعنية لحل مشكلة الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط ، هو اتفاق تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس برعاية مصرية دون الاستناد قطعيا للوساطة الألمانية السابقة ، ودون تحفظات أو حتى خطوط حمراء إسرائيلية على قائمة حماس التي قدمت للمصريين وللطرف الإسرائيلي المفاوض ، عدا الشرط الإسرائيلي الثابت من أجل حفظ ماء وجه نتن ياهو ، إي قائمة الألف دون أحمد سعادات أمين عام الجبهة الشعبية السابق المتهم بقتل وزير السياحة الإسرائيلي اليميني المتطرف رحبعام زئيفي ، ومروان البرغوثي المتهم بتشكيل كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح والوقوف خلف عملياتها الجريئة التي قضت مضاجع إسرائيل وهددت استقرار حكم حماس . حدث مهم يعتبر مكسبا للفلسطينيين بالمدى المنظور وبالمفهوم الوطني المؤدلج وبالبعد الإعلامي المسيس. وتحديدا يعتبر نصرا لحركة حماس التي بقيت ممسكة بورقة شاليط حتى اللحظة الأخيرة رغم التأثيرات السلبية التي أحدثها الملف على مستوى العلاقات الدولية بالقضية الفلسطينية ، وعلى مستوى العلاقات الفلسطينية الداخلية وهدد حياة سكان القطاع الصامد ، وذلك بمحاولة منها مستميتة لإقناع الشارع الفلسطيني عامة والغزي خاصة أن الثمن المقبوض إسرائيليا بإطلاق سراح ألف ونيف من المناضلين رغم موافقتها على إبعاد بعضهم إلى خارج الوطن أو الدار ، هو أكثر من الخسائر والدماء المدفوعة فلسطينيا من دماء ومقدرات القطاع بسبب ملفه تحديدا ، والذي طالما رغبت بإنهائه ولكن بشروط يحفظ ماء وجهها وبهدف نهائي مدروس لإظهار الحركة بمظهر جديد قد يقبل لاحقا من الغرب باعتبارها نموذج مقبول لقيادة الفلسطينيين خاصة بعد خروج الرئيس الفلسطيني عن المألوف الأمريكي وعناده السياسي ضد الرأس الأمريكية ، وهو المظهر الذي عملت على بلورته وتسويقه قطر وتركيا بالاتفاق مع جماعة الإخوان منذ ما بعد الاجتياح الإسرائيلي الأخير لقطاع غزة شتاء 2007م ، ليظهرها كحركة سياسية بارعة متفهمة للقضايا الدولية ، بدل النظرة القديمة لها التي شكلها لها العالم ومن هم على تماس مباشر بالقضية الفلسطينية وأطرافها كحركة فوضوية صانعة للمشاكل والأزمات ، وهي النظرة التي طالما أزعجت الكثير من الدول العربية المؤيدة للمنهج الأمريكي ووسائله وأطروحاته ، وللغربية التابعة له . فالحدث أهميته ليس بفقراته العديدة التي نظمت أوقات وطريقة التنفيذ وعدد المشمولين وأسمائهم ، بل لطبيعته الجيوسياسية الممسوكة من خارج القطبين المباشرين المعنيين به ، ولخباياه السرية وفقراته التفاهمية غير المدونة الخطيرة التي تأتي وتنظم بمرحلة حساسة وحاسمة ومصيرية لكل الأطراف المعنية بالاتفاق التي صاغت ما يخصها جماعة الإخوان المصرية برسائل سرية أرسلتها فبل أربع شهور للإدارة الأمريكية ، فتركيز البعض على رقم الألف أسير فلسطيني كرقم مجرد ، واللذين سيتم أخلاء سبيلهم مقابل سلامة وحرية شخص واحد اسمه شاليط ، واعتبار الرقم وتصويره كأنه نصر مؤزر لحماس وخسارة لإسرائيل القادرة بساعة واحدة على اعتقالهم واعتقال الآلاف غيرهم ، هو إدارة للبوصلة بغير اتجاهها ، لأنّ إطلاق ألف أسير فلسطيني مقابل ما حمله الاتفاق والسيناريو الذي يحضر للحكاية العربية من أخطار على المستقبل العربي بعد الربيع العربي بمزروعاته الغربية المنشأ ليس بالثمن الكبير المدفوع إسرائيليا ، مثلما هو ليس بالثمن الكبير المقبوض فلسطينيا مع أهميته للأسرى الفلسطينيين ، ذلك ليس لأن عدد الألف أو الواحد عدد مهم يمثل جزءا مهما من سيناريو وخيوط الحكاية الفلسطينية نفسها ، التي تعكس بعض صورها ومآسيها قضية الأسرى ، والتي تتعرض للتدنيس من العنصرية الإسرائيلية وشاليط واحد منهم ، كما أنّ عددهم قل أو كثر فهو يمثل قصة النضال الفلسطيني ذاته الذي يواجه الإجرام والإرهاب والاستيطان الإسرائيلي ، الذي عماده المستوطنين اللذين أهل شاليط وأقربائه وجيرانه وجيران جيرانه منهم . فحقيقة الاتفاقية وصورتها المتوقعة التي قد لا تروق للبعض أن يسمعها أو يصدقها والمرتكزة على استثمار معاناة الأسرى ، هي بأخطار مردوداتها التي لا بد منها على الأمة العربية ، وبفوائدها المتشعبة والمتعارضة أو المتقاطعة للأطراف الموقعة والمنظمة للاتفاق وإن بدرجات متفاوتة ، وبمقدمتهم أمريكا التي بدأت برسم خارطتها الجديدة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالتفاهم مع جماعة الإخوان المسلمين العالمية ، فالاتفاقية برمتها ستساعد الأمريكيين لتهيئة الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية لضرب سوريا بعد الانتهاء من ليبيا ، كما وستساعدها لتذليل بعض العقد التي كان من الممكن أن يواجهها مثل هذا السيناريو ، والتي كان من أخطرها حتمية اجتياح القوات الإسرائيلية لقطاع غزة فيما لو بقي التلاحم الهش بين حماس وسوريا وتدخلت حماس إلى جانب سوريا ، على تصور واعتقاد أنّ محور حماس سوريا حزب الله طهران محور مقدس ومصيري واستراتيجي ، وهو التصور الخاطئ حيث تبين أنه تحالف هلامي مصلحي غير قائم على أي أسس أو إستراتيجيات ، ودليلة وقوف إيران ضد نظام العقيد الليبي رغم أنف سوريا ، ووقوف جماعة الإخوان ضد سوريا رغم أنف ومصلحة حماس ، وهو التصور الذي أجبر أمريكا والغرب بالتفاهم مع إسرائيل على الوساطة المصرية الطارئة بدل الألمانية السابقة ، أولا لتحييد المتوقع من إسرائيل ضد عزة بهذا الوقت تحديدا ، وهو ما كان سيثير الشعوب العربية المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني لو حدث وثانيا لتثبيت دور مصر القيادي بالمدى المنظور والمستقبلي والمتوقع أن يكون للاخوان دور كبير فيه ، بدل الدور التركي المشكوك به عند البعض العربي أو المرفوض قطعا عند آخرين تحت تساؤل ، ( هل تركيا اليوم هي استنساخ عن العثمانية الإسلامية أم امتداد للتركية البغيضة التي نالت من الحرية والكرامة العربية ؟؟؟ وسلمت فلسطين بالتواطؤ مع بريطانيا على طبق من ذهب لليهود ) ، وثالثا لتهيئة ظروف مصر حسب الطلب الأمريكي والتفاهم بينها وبين أكثر الأطراف المعنية به لاستقبال المكتب السياسي لحماس الباحث عن مكان آمن له بعد حتمية طرده من دمشق حال غسل يد دمشق من حماس ، ورابعا لإثبات حسن نوايا أمريكا وشكرها لجماعة الإخوان على جهدهم المتميز بتغيير الأوضاع في عدد من الدول العربية ومن بينها سوريا ، مقابل مساعدتهم مستقبلا على مسك زمام الأمور في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا إن فازوا بالانتخابات وشكلوا فيها حكومات إسلامية على غرار النموذج التركي المقبول أمريكيا ، خاصة بعد التهديد الإيراني العلني والصريح لتركيا وأمريكا بعواقب ضرب سوريا ، ووضوح التحالف ألمصلحي المصيري بين سوريا وكل من حزب الله وطهران . أما إسرائيليا فتعتبر هذه الاتفاقية نصرا كبيرا ومهما لها ، فقد نجحت من خلالها بإعادة الثقة بها غربيا على اعتبار أنها كيان سياسي كبير قادرة على التفاوض والاستجابة للتطلعات الفلسطينية ، بعد أن كانت أكثر الشعوب والدول فقدت ثقتها بها كشريك مهتم بصنع السلام بالشرق الأوسط ، مما قد يساعدها على الخروج من الزاوية التي حشرت ووجد نفسها بها وحيدة إلا من دعم أمريكي ، وهي المنزلة التي لم تعتد إسرائيل أن تكون أو تجد نفسها فيها بعد القرار الفلسطيني بالتوجه للأمم المتحدة لنيل الاعتراف الأممي بدولة فلسطين المستقلة بحدودها الثابتة وعاصمتها القدس تحت الرقم 194 . وبأسوأ الحالات وتبعا لمصالح إسرائيل واليمين المتطرف فإن هذه الاتفاقية قد تنعكس سلبا على حركة حماس تحديدا وتشكل خطرا داهما على شعب قطاع غزة ، لأنها قد تفتح الباب على مصراعيه للجيش الإسرائيلي لاجتياحه وضربه وتدميره بالكامل وسحق الشعب الفلسطيني في القطاع لإفشال المسعى الفلسطيني بالحرية والدولة المستقلة عبر الأممالمتحدة ، دون الخوف على مصير جندي إسرائيلي محتجز في غزة اسمه شاليط أو حتى ( ظ ... البين ) ، هذا إذا تنكرت إسرائيل لعهودها ومواثيقها لأمريكا وللغرب وللوسطاء الآخرين ، وهي الصفة التي لازمت الصهيونية وفكرها منذ وجودها ولحد الآن ، والتي يعرفها وخبرها الغرب والعرب والعالم . [email protected]