يقول الله تعالى : "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" .. هذه الآية تنبأ بظهور عصر الإسلام الأول الذي يعيش في كون متداول الفكر ومتنازع الرؤى كما كان في عصر ما قبل آدم عندما أبيدت مسميات العبادة لظهور هذا العصر الجديد الذي عبر الله عنه : "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".. الله يريد إسلاما يستعمر الأرض وينشأها ويبنيها من جديد كما ذكر في هذه الآيات فالإسلام ليس فقط هو الشعائر بقدر ما هو التطور والحضارة فالشعائر لا تتجاوز خمس الدين نسبة إليها ولعظم أمر الخلافة وإعمار الأرض أمر الله الملائكة بالسجود ! بقي الإسلام يدعو للتطور منذ آدم لعصر نبينا الكريم والذي وسع فيه أفق الثقافة انطلاقا من مبدأ "اقرأ" فاقرأ ليست فقط كلمات يتلقفها النظر فالحياة لها قراءة والناس لهم قراءة فالله تعالى قال "اقرأ باسم ربك الذي خلق" قراءة الكلام "خلق الإنسان من علق" قراءة النشأة "اقرأ وربك الأكرم" قراءة العالم "الذي علم بالقلم" قراءة الفكر "علم الإنسان مالم يعلم" قراءة القراءة ! "كلا إن الإنسان ليطغى" تفتح مجال القراءة في الكون والإطلاع على الجانب الآخر الذي لا تعلمه. كان القرآن إضافة رائعة لهذا العالم بطرحه الفريد الذي يدعو للنظر حولك ويفقهك مبدأ "امش كثيرا ترى كثيرا" "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها" فالإسلام ليس الصلاة وسائر الشعائر بقدر ما هو مبدأ حياة يأمرك بقرائتها بشكل أوسع وعدم النظر لسطحية الأمور بسطحية الفكر ولكن التعمق في مواكبة هذا الحدث الكوني. الإسلام في عصره الأول عاش التطور لحظة لحظة في التعامل مع كل شيء فكتاب الله نص إلهي يصف الكون تلك اللحظة ويوجهها قانون مرسل للأمم المتعاقبة ليكون نصا إلهيا متجدد الحدث ثابت الكلام. وبقي رسول الله ينظر للعالم من نافذة الفائدة قبل أن يكون هو المعلم يتعلم حتى في أبسط الأمور فكما ورد عن أنس أن النبي مر بقوم يلقحون . فقال " لو لم تفعلوا لصلح " قال فخرج شيصا . فمر بهم فقال " ما لنخلكم ؟ " قالوا : قلت كذا وكذا . قال " أنتم أعلم بأمر دنياكم " فجعل الإسلام طريق معتدل يوافق بين الدين والدنيا ضاربا بأفكار التقويس والتحيز والتبعية والرجعية التي كانت تعاني منها الكنيسة عرض الحائط. ينظر للروم ويتعلم منهم وينظر للفرس ويحكي عنهم فالإسلام عند "محمد" هو الدنيا التي يبنيها ويطورها الدين يقول رأيت الغيلة لا تضر الفرس والروم فقلت بها. فقبل أن يصلي في المسجد جلس عند الناس يحدثهم يشاركهم وبعد أن صلى في المسجد كان ذلك الرجل الذي يقول "إنما بعثت لأتمم لكم مكارم الأخلاق" .. أما الإسلام اليوم فهو نظام غابة يقف عاثر الخطى أمام التطور فالتطور اليوم هو رسالة تغريب بدعاية كافرة يجب أن يحارب بشتى الطرق لأنهم يحاولون قتل الإسلام ، فالإسلام اليوم لباس متقشف وسلاح فتاك وجهاد أما غيره فهو مجرد هامش من صنع الآلة الغربية التي تحارب الإسلام، وعندما أنظر في الغرب أجد المتمسكون بالإسلام والمهتمون به من غير المسلمين أكثر منا نحن المتأسلفين الذين لا نعي ما هي السلفية ولا نعي ما هي "الحكمة ضالة المؤمن" .. والمسجد الذي كان يعلم الكيمياء والفيزياء وعلم النجوم "خال جدا" من أية علوم وعلقت لافتة على بابه الرئيسي "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" في شمال الباب فتوى تبيح شراء سلاح "الكفار" وفي طرف الباب الآخر فتوى تحرم استخدام "عبلة وأم الصبيان" ... وهكذا عودنا مسجدنا على حمل أسلحة الكفار وأصلنا فكرنا بالخرافة وابتعد عنا التطور لأننا لا نستخدم الإسلام إلا في نطاق "ملم*ملم" ، وحيث ما نريده أن يكون إسلاما ليس كما يريده الله عز وجل ! فالله سمى الصلاة إيمانا وجمع الإيمان بلفظ الإسلام وجمع الإسلام بلفظ الإيمان وأمرنا أن ننظر في الكون بسعة قال عز " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ*وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر:28] وهو الذي يقول "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم" فالإسلام هو القرآن والقرآن هو علامات في صدور علماء الكون وليس علماء الدين فقط وهكذا جعل الله كتابه مفكرة للإنسان في الدنيا بكلام الدين. فرق بين الإسلام الذي تحدث بلغة الواحات والجنة والعلم وفرق بين الإسلام الذي نصوره اليوم بأنه تمثيلية عن رواية بلغة الغاب يدعو للقتل وسفك الدماء! ونبقى في سجال المذهبية الطائفية "لا تحفل بالمذهبية لأن الرواسب لا تتغير، وسوف تنشأ معتقدات جديدة دائما.. الأهم أن نبقى على اتصال مع التطور الذي دعاه الإسلام" ! فهد بن محمد [email protected]