{رحلة في أعماق الألم *قبيلة عبس بجازان يفترسها الفقر. *الفقر يهوي بأكثر من {300} أسرة في قرى المشوّف و الجهو بضمد. *أطفال سعوديون مجهولون وزوجات غير مضافات مع أزواجهم. حسن المازني/ جازان تصوير/ حسين العتودي كم هي المفاجآت المفعمة بالألم والحزن عندما تقودك الخطوة صوب مجاهل قبيلة كان لها صولات وجولات في التاريخ العربي القديم جعلتها تدخل التاريخ من أوسع أبوابه بما سطرته من ملاحم بطولية خالدة. صور شتى تجمع بين قراءة تاريخ الماضي وبين قراءة لوضع راهن حطت قبيلة عبس العربية رحالها بين تناقضات تلك الصور في مشهد يقبل القسمة على عدد أيام السنون الماضية والحالية.. فقر..ضعف..عوز.. قلة حيلة...بؤوس..مرض..تجاهل. كل هذه الصفات اجتمعت في مضارب قبيلة عبس بقراها وهجرها حتى أن هذه الصفات تشكلت في ملامح الرجال والنساء فأنت تقرأ في ملامحهم حكايات وحكايات تسرد تفاصيلها المدينة في واحدة من رحلاتها التي تغوص في أعماق الألم. بداية الحكاية من مركز الشقيري باتجاه قرية النثراء المكونة من عدد من الأكواخ والعشش المشيدة بأخشاب الدوم والقش والصفيح وبعض الحجرات المبنية بالطوب ومعظمها على مشارف نهاية وجودها وتتوسطها زرائب الأبقار والأغنام وجميع مسببات الكوارث البيئية داخل وفي محيط هذه القرية فالنفايات المنزلية والمخلفات الحيوانية لا تجد من ينقلها بعيداً عن السكان حتى غدت قصباتهم الهوائية وجلوهم مرتع لأنواع الحساسية. صور مختلفة تتزاحم أمام مخيلتنا لا نكد نلم بها إلا مطاردة ولكنها صور محفورة في ذاكرة الشيخ المسن/مفرح بن إبراهيم علي مريع العبسي {65}سنة وزوجته المسنة أيضاً حيث يقول العبسي ومحاجر عينيه تحبس دموع الألم .يا ولدي نحن في هذه القرية كما كنا منذ عشرات السنين وعلى ما كان عليه الآباء والأجداد نزرع ونحطب فالزراعة والتحطيب هي المهنة التي بارت ولم يعد وجود وهي المهنة التي عرفناها ولم نجد ما يلغيها من قاموس حياتنا فالبديل غير موجود نحن نستلم من الضمان الاجتماعي{1200} ريال شهرياً لكن ماذا يفعل هذا المبلغ أمام الغلاء الهائل في المواد الغذائية وعدم وجود الدقيق فأنا أحمل ورقة صرف كيس دقيق واحد ولكن من أين أصرفه إذا كان المستودع يبعد عنا بأكثر من {40} كيلاً وأجرة المشوار لجلبه ذهاباً وإياباً{100} ريال وهذا يعني أن كيس الدقيق يكلفني{130} ريال وطن الماء الغير محلاة يصل إلى بيتي ب\"40\" ريالاً لأن وصول المياه المحلاة من عاشر المستحيلات ونصرف مابين 100إلى 200 ريال شهرياً في شراء المبيدات الحشرية المنزلية لمكافحة البعوض لعدم وجود الكهرباء فضلاً عن أعلاف الأبقار التي لم نعد نستطع شراؤها ما جعل الأبقار التي تمدنا بالحليب والزبد تشارف على الموت من الجوع والأمطار قلت فلم نعد نزرع الأرض ومنعنا من التحطيب الذي هو مصدر رزقنا. ثم يمسح دمعة أنسلت من عينه ويولي مدبراً صوب زوجته القابعة في ذلك المطبخ المتهالك لمساعدتها في إعداد القهوة لنا كضيوف وبعد جهد جهيد أعفانا من الضيافة وغادرنا الرجل والمكان وصور الحزن تختلج في دواخلنا إلى قرى حلة عبثان و الخسعي برفقة الدليلة الشيخ/قاسم جردي مدير مكتب هيئة الإغاثة بالشقيري الذي تطوع بإرشادنا إلى مواضع الألم في تلك القرى التي وجدناها شبه مهجورة بسبب الفقر وعدم وجود الكهرباء والخدمات الصحية والبلدية وفي الخسعي تتجسد المعاناة في أبشع صورها الشيخ المسن / حسن بن هادي العبسي تجاوز الثمانون عاماً ولديه من الأبناء والأحفاد عدد كبير يعيشون في جهة من القرية مساكنهم من العشش والصفيح وقد تم تحويطها بحوش من الصفيح والأخشاب التي جادت بها الطبيعة حيث يقول نحن نعيش هذه الحال منذ عرفنا أنفسنا ولم نجد حياة أفضل فلا كهرباء ولا ضمان ولا صحة و لا أحد يهتم بنا . يقول حمود بن حسن هادي العبسي أنا لديً أربعة أطفال جميعهم بلا شهادات ميلاد وبلا مدارس فلا لدي سجل عائلي لأنني باختصار شديد غير قادر على المراجعة في صبيا لأن المشوار إذا وجدنا سيارة يكلفني إلى صبيا مع العودة {200} وليس لدينا دخل فوسيلة الدخل الوحيدة هي التحطيب حيث نقوم بجمع الحطب من الأودية والتلال ويأتي المشتري لنقله وبعد أن تم منعنا من التحطيب توقف رزقنا على الرغم أننا لانقطع الأخضر على الإطلاق ولكنها الأوامر ولابد أن نمتثل للأوامر ولكن أولادنا من أين نؤكلهم ونشربهم فلا ضمان ولم نر أي مسئول يبحث أوضاعنا كمواطنين لنا حقوق ضيعتها الجهات المعنية في جازان ويتدخل أشقائه محمد وموسى وسهيل مجمعين على أن الجهات المعنية في جازان لا تتعامل معنا كمواطنين وإلا لما كنا بلا ضمان ولا صحة ولا طرق ولا كهرباء حتى المساعدات التي يأمر بها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله و يقدمها أهل الخير لاتصل إلينا وطالبوا من سمو أمير منطقة جازان بالجنة منصفة تقف ميدانياً على أوضاعهم وأوضاع هذه القرى وقالوا كوننا شباب هذا لا يعني حرماننا من الضمان والمساعدات فنحن أميون لا شهادات ولا خبرات و لا مصدر للرزق فكيف يبني الضمان الاجتماعي استحقاقنا للضمان من عدمه على التقرير الطبي وعبارة{قادر على العمل} هل هذا عدل وإنصاف فنحن لدينا القدرة على العمل وصحتنا عالية ولله الحمد ولكن من يوظفنا؟. من يفتح لنا باب شركته أو مؤسسته ويقول أعملوا؟. إذا كان الضمان الاجتماعي سيوفر لنا العمل فنحن مستعدون من الآن وجزاهم الله خير أما إذا كان الأمر لا يتعدى التملص من مسئولية الضمان تجاهنا فهذا نرده إلى خادم الحرمين الشريفين حفظه الله. نحن قادرين على أن نمارس عمليات التهريب لنعيش لكن خوفنا من الله ثم حبنا لوطننا وعزة أنفسنا تجعل الموت جوعاً أفضل لدينا مليون مرة من ذلك. ثم اتجهنا إلى قرية المشوًف حيث وجدنا المسن/ طامي بن جمًاح الذي يعيش حالة معاناة شديدة والذي قال أنني رجل مسن ولدي {11} أبناء وليس لديً أي دخل مادي ولا أستفيد من الضمان الاجتماعي .. اتجهنا صوب قرى محيللة العليا والسفلى والراحة والأوراق وأبو العرج والرخة و الحطيبي الأعلى والأسفل والمطلع والحصن الأعلى والأسفل وفيها مقر شيخ شمل قبيلة عبس/محمد بن أحمد قوام العبسي ونعود أدرجنا إلى مدينة الشقيري ليأخذنا الشيخ/قاسم جردي مدير مكتب هيئة الإغاثة بالشقيري إلى مستودع الهيئة الذي يمثل بارقة الأمل للفقراء والمحتاجين ولكن الصدمة كانت كبيرة عندما وجدنا أن هذا المستودع الخيري في ما يشبه حالة الاحتضار فالأرزاق والمؤن لا يتفق والحاجة الملحة للمواطنين والمستودع لم يكتمل أنشاؤه بعد وهنا تدخل الشيخ/جردي قائلاً أنتم وقفتم على أحوال الناس في القرى التي مررنا بها وكيف هم يعانون من العوز والهيئة سواء في ضمد أفي منطقة جازان تحاول أن تسهم في التخفيف عن الناس المحتاجين من معاناتهم حسب ما يتوفر من دعم والحقيقة أن مستودع الشقيري يحتاج إلى إكمال تشطيباته وتوصيل التيار الكهربائي حيث لم تتوفر لنا المبالغ لاستكمال إنشائه وتسديد رسوم إدخال العداد الكهربائي فالمستودع بحاجة إلى الدعم الذي يمكنه القيام بواجبه تجاه هذه الأسر المحتاجة والأمل في الله ثم في أهل الخير لأن سكان هذه القرى وغيرها من قرى مركز الشقيري وكما شاهدتم في أمس الحاجة للمساعدة .