في حدثٍ نادر ظفرت به نهائيات كأس العالم، التي ستقام في روسيا الصيف المقبل، منتخب بنما يضع نفسه في قائمة المنتخبات المشاركة للمرة الأولى بتاريخ منافسات كؤوس العالم، كان منظر لاعبي منتخب بنما وهم يحتفلون بتأهلهم إلى نهائيات كأس العالم، منظراً غريباً على أعين المجتمع الرياضي الدولي، حيث لم يعتد لهم رؤية هذه المناظر من قبل تحدث في تصفيات كؤوس العالم السابقة، حيث كان المنتخب البنمي ينهي مشواره متذيلاً سلم الترتيب، لكن العزيمة والإرادة التي سكنت في نفوس لاعبي بنما، هي التي صنعت لهم هذا الإنجاز الفريد، وقادتهم لأول ظهور في كؤوس العالم. بنما، دولة تتخذ من وسط أميركا الجنوبية موقعاً جغرافياً لها، أرضها بركانية تفصلها مجاري المياه، وتتمتع بجبال شاهقة على امتداد مساحتها، تمثل على الصعيد الاقتصادي مركز قوة كبرى في أميركا الوسطى، وأما تاريخياً فقد كان اكتشاف هذه الأرض على يد الإسبان، الذين فرضوا عليها الاحتلال في القرن السادس عشر، وظلت تحت وطأة الاحتلال الإسباني حتى العام 1821م، والذي شهد استقلالية بنما عن إسبانيا، ولكنها بقيت جزءاً من مقاطعات كولومبيا، إلى حين أن تمكنت بمساعدة الولاياتالمتحدة الأميركية من أن تستقل بنفسها عن كولومبيا، وتصبح دولةً مستقلة. بدايات كروية لا يبدو أن لبدء كرة القدم في الأراضي البنمية تاريخاً محدداً، يمكن الاستناد إليه وجعله هو التاريخ الأساس لانطلاقة كرة القدم فيها، لكن ترجح بعض المصادر التاريخية، أن كرة القدم ابتدأت لأول مرة في بنما العام 1862م، وكانت هذه البداية على استحياء تام، حيث لم تأخذ كرة القدم فرصتها الكاملة في المجتمع البنمي، ولم يكن بإمكانها أبداً أن تنافس الحضور القوي الذي تشكله لعبة البيسبول، والتي سيطرت على كامل الفرص المتاحة لها في بنما، حيث كانت هي اللعبة الأولى من حيث الشعبية في بنما، قبل أن تتطور كرة القدم وتنتزع منها المقعد الأول وتصبح في مقدمة أولويات شعب بنما. اتحاد ومنتخب مع ارتفاع عدد اللاعبين الممارسين لكرة القدم، بات لزاماً أن تمتلك بنما اتحاداً رياضياً، يدير شؤون هذه اللعبة، ويؤسس لها قواعد وأنظمة جديدة، ويمنحها مزيداً من التقدم والنجاح المستقبلي، فتم إنشاؤه العام 1937م، وفي العام 1938م التحق بعضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، ولكن انتسابه إلى عضوية اتحاد أندية أميركا الشمالية جاء في العام 1961م، والحقيقة أنه لم يكن انتساب بقدر ما كان مشاركة في تأسيس هذا الاتحاد، حيث انضم الاتحاد البنمي إلى عدد من اتحادات القارة الأميركية، لفكرة إنشاء اتحاد قاري يحتوي تحت مظلته هذه الاتحادات المتناثرة، ويكون مسؤولاً عن إقامة بطولات تجمعهم على صعيد المنتخبات والأندية، وذلك على غرار المعمول به في بقية القارات الأخرى، وتم تأسيس اتحاد أميركا الشمالية والشهير باسم "كونكاكاف"، واتخذ من ميامي الأميركية مقراً له. الدوري المحلي في ظل تطور الحركة الرياضية في بنما، اجتمع بعض المهتمين بشؤون كرة القدم، واصطلحوا على إنشاء دوري محلي لكرة القدم، تجتمع فيه الأندية البنمية للمنافسة على لقب الدوري، وهو الاجتماع الذي ترأسه جيانكارلو جرونشي، وضم إلى جواره يان دومبورغ وإدغار بلازاس وخورخي زيلسني، ونتج عن الاجتماع تأسيس دوري كرة قدم وذلك في فبراير من العام 1988، وابتدأ الدوري الجديد بعدد بسيط من الأندية المحلية، حيث اقتصرت الفرق المشاركة في أول نسخة من الدوري البنمي على 6 فرق فقط، وفي موسم العام 1996م تقرر رفع عدد الأندية المشاركة في الدوري إلى 12 فريقاً، وذلك بعد أن اتسعت رقعة أعداد الأندية البنمية، ثم تمت عملية تقسيم الفرق المشاركة إلى مجموعتين، وبعد ذلك تراجع الاتحاد البنمي عن تقسيم الفرق إلى مجموعتين، ليتم إعادة الدوري إلى مجموعة واحدة، لكن تقرر فصل الدور الأول كبطولة مستقلة لها بطل خاص، والدور الثاني بطولة مستقلة أخرى لها بطلها الخاص، وهو ما استمر عليه العمل حتى الموسم الأخير، حيث استقر الأمر على وجود عشرة فرق في الدوري البنمي يخوضون الدوري على مرحلتين منفصلتين عن بعضهما. منتخب بنما ظهر منتخب بنما لأول مرة في العام 1938م، حين تم إنشاء منتخب مصغّر وبدائي، ليكون هو الممثل الرسمي لدولة بنما في المحافل الدولية، وجاء ظهوره الأول مخيّباً للآمال، حيث خسر أمام منتخب فنزويلا بنتيجة 3 / 0، ولكنها ليست أسوء ظهور له على الإطلاق، فقد ظفرت مباراة منتخب بنماوكوستاريكا والتي تعتبر ثاني المباريات في تاريخ المنتخب البنمي، هي أثقل خسارة تعرض لها منتخب بنما، حيث انتهت بفوز كوستاريكي ساحق بنتيجة 11 / 0، شكلت هذه الهزيمة خيبة أمل كبرى على ملامح مسؤولي الاتحاد الكروي في بنما، لكنها في واقع الأمر لم تضفي أي تغير يذكر على واقع الكرة في بنما، حيث ظلت الكرة البنمية في ظهور مخجل على الدوام، وبعيدة كل البعد عن مستوى المنافسة مع منتخبات الشمال الأميركي أو حتى المنتخبات العالمية. ظهور أول كان دخول لاعبي منتخب بنما إلى أرضية ملاعب بطولة كأس أميركا الشمالية، والتي تعرف باسم كأس الكونكاكاف، في نسخة العام 1963م هو أول دخول لمنتخب بنما في البطولة، التي كانت تلك النسخة هي الأولى منها، بعد أن تأسس اتحاد الكونكاكاف وباتت أميركا الشمالية تمتلك مرجعية رياضية، لكن ظهور بنما الأول في هذه البطولة اقتصر على الوجود في دور المجموعات، فرغم أن المنتخب البنمي استطاع أن يتعادل مع منتخب السلفادور الذي كان مستضيفاً للبطولة، وتعادل في مباراته الثانية أمام غواتيمالا 2 / 2، إلا أن ذلك لم يشفع له بالعبور للدور الثاني، بعد أن خسر أمام منتخب هندوراس 1 / 0، لذلك جاء فوزه في الجولة الأخيرة على منتخب نيكاراغوا بنتيجة 5 / 0، فوزاً معنوياً لم يبق منتخب بنما في البطولة. إنجاز فريد تقدمت السنين ومعها تقدمت كرة القدم في العديد من الدول حول العالم، لكن كرة القدم في بنما ظلت متسمرة في مكانها، لم تتقدم خطوات كثيرة، حيث ظلت غائبة عن الوصول إلى نهائيات كأس العالم، وحضورها في كأس الكونكاكاف مجرد حضور شرفي، ينتهي في الأدوار الأولى، لكن العام 2013 كان مختلفاً للكرة البنمية والتي احتفلت بالأداء المميز لمنتخبها في كأس أميركا الشمالية، حيث كسر منتخب بنما روتين المشاركات الشرفية، وقدم أداءً مميزاً في البطولة التي استضافتها ملاعب الولاياتالمتحدة الأميركية، تصدر منتخب بنما مجموعته دون أي خسارة، وضرب موعداً مع منتخب كوبا في ربع النهائي، واستطاع أن يلحق به هزيمة تاريخية بنتيجة 6 / 1، واصطدم في نصف نهائي البطولة بمنتخب المكسيك، وكانت المعطيات الفنية والتاريخية تميل بكثرة إلى جانب المكسيكيين، لكن كرة القدم لا تعترف إلا بالعطاء داخل المستطيل الأخضر، فقد قاتل لاعبو منتخب بنما على بطاقة التأهل إلى المباراة النهائية، ونجحوا في تحقيق مرادهم بعد الانتصار بنتيجة 2 / 1، وأمام المنتخب الأميركي المستضيف كان موعد المباراة النهائية، هل تستطيع بنما أن تتوج بأول ألقابها منذ تأسيس كرة القدم؟ لقد جاء الجواب عند الدقيقة 70 والتي سجل بها منتخب أميركا هدفه الأول والوحيد في المباراة النهائية، ليتوج بهذا الهداف نفسه بطلاً للكأس الذهبية، ويحرم بنما من تحقيق أول بطولاتها. كفاح حكم بالنسبة لدولة ضعيفة على الصعيد الكروي، وفقيرة مادياً بسبب اقتصادها المهزوز، فإن القدرات الشخصية مهما كانت مميزة إلا أنها ستصطدم بالكثير من المعوقات، هذه المقدمة هي تمهيد لمدى الكفاح الذي قام به غابرييل فيكتوريا، والذي لم يكن أحد يعرف عنه الكثير قبل عام تقريباً، لكن وجود اسمه من بين قائمة الحكام المساعدين الذين سيوجدون في مونديال كأس العالم المقبل، أثار الكثير من التساؤلات حول سيرة هذا الحكم، الذي قدمته لجنة الحكام بالاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، من بين قائمة حكامها الذين سيتولون عملية إدارة مباريات كأس العالم، فيكتوريا سيكون ممثلاً كذلك للكرة البنمية في كأس العالم، ولم يكن يتوقع أن تحين له هذه الفرصة حين كان ينجز مهام عمله في تنظيف شوارع بنما، حيث يعمل عامل نظافة ويجمع معها عمله هاوياً في مجال التحكيم، واستمر في تنظيف شوارع بنما لمدة 25 عاماً، ولكن شخصيته الثابتة في القرارات التحكيمية وقدرته على إدارة المباريات باقتدار، شجعت الفيفا على أن يكون من ضمن الخيارات الموجودة في كأس العالم المقبل. وصول تاريخي لم يكن هداف المنتخب البنمي التاريخي لويس تيخادا، وهو يخوض تصفيات كأس العالم المؤهلة لمونديال روسيا، وقد أكمل عامه ال36 يحلم في أن تكون نهاية هذه التصفيات، هي بوصول بلاده إلى نهائيات كأس العالم، رغم أن بنما انتصرت في الجولة الأولى على منتخب جامايكا 2 / 0، لكن نتائجها التي جات متذبذبة لم تحرمها من الوصول إلى المرحلة النهائية من التصفيات، في الجولة الأولى بنما تنتصر على الهندوراس 1 / 0، وفي الجولة الثانية تتعادل مع المكسيك 0 / 0، وكانت خسارتها أمام منتخب ترينيداد وتوباجو 1 / 0 بمثابة صدمة لمنتخب بنما، تلاشت بعد التعادل أمام منتخب أميركا 1 / 1، وفي سباق الجولات الأخيرة سقط منتخب بنما أمام المنتخب الأميركي 4 / 0، لتفتح هذه الخسارة باب الشكوك حول قدرة المنتخب في إكمال حلمه نحو المونديال، لكن الهدوء الذي سيطر على معسكر المنتخب البنمي وهو يستعد لمباراته الأخيرة أمام كوستاريكا، كان هو العامل الرئيس مثلما وصفه تيخادا في عبور بنما إلى مونديال روسيا، حيث استطاع منتخب بنما أن يحول خسارته أمام المنتخب الكوستاريكي بهدف إلى فوز بنتيجة 2 / 1، وضمن بشكل رسمي وصول المنتخب البنمي للمرة الأولى إلى نهائيات كأس العالم في روسيا. احتفالية بنمية بعد التأهل التاريخي بنما عانقت المجد بعد فوزها على كوستاريكا تيخادا يبحث عن مشاركة تاريخية أخيرة فرحة هستيرية لمدرب منتخب بنما مع لاعبيه