منتخب كوريا الجنوبية آخر منتخبات المجموعة السادسة في نهائيات كأس العالم الصيف المقبل، حيث سيلعب إلى جوار منتخب المكسيكوألمانيا والسويد، ويسعى في مشاركته العاشرة إلى تكرار إنجازه الذي حققه في نهائيات كأس العالم عام 2010م، التي احتضنتها ملاعب جنوب أفريقيا، حين قدم منتخب كوريا واحدة من أفضل مشاركاته في كؤوس العالم، واستطاع أن يحقق المركز الثالث، وهي المرحلة التي لم يصل إليها المنتخب الكوري في جميع مشاركاته السابقة. وكوريا دولة آسيوية تتخذ من شمال القارة الآسيوية موقعاً جغرافياً لها، وانقسمت بفضل مساحتها الواسعة إلى دولتين هما كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، ويطلق عليهما شبه الجزيرة الكورية، بالنظر إلى مساحتهما الواسعة، وسميت كوريا بهذا الاسم استمداداً من اسم مملكة جوريا، وهي سلالة ملكية حكمت البلاد الكورية منذ عام 918م، ويرمز اسم كوريا إلى أرض الصباح الهادئ، وهي استعارة من لغة الهانجا الكورية. انطلاقة الكرة في كوريا الجنوبية كانت لعبة البيسبول المسيطرة على أجواء الرياضة الكورية، ولم يكن لأي لعبة أخرى متسع من الوقت لمنافستها، فقد كانت البيسبول اللعبة الشعبية، التي تستحوذ على اهتمام كثير من الكوريين، وتجذب طاقات الشبان إلى ممارستها، لذلك كان منظر أفراد البحارة البريطانيين وهم يركضون وراء قطعة مدورة ويتقاذفونها بين أقدامهم منظراً غريباً على الكوريين، الذين استوقفتهم هذه اللعبة الوافدة إلى بلادهم، وأمضوا كثيرا من الوقت، يتفرجون على تفاصيل هذه اللعبة التي شغفت البحارة البريطانيين، وجعلتهم يمضون كثيرا من الوقت دون توقف وراء الكرة، وبعد أن أتم البحارة البريطانيون أعمالهم في كوريا، جاء موعد مغادرة الدولة الآسيوية، ورحل الجميع من كوريا إلا كرة القدم فقد تخلفت عن الذهاب معهم، ليلتقطها بعض أطفال المدارس، ويهربون بها بعيداً عن مرافئ السفن، خوفاً عليها من الغرق أو الضياع، وابتدأت الكرة تتدحرج في أفنية المدارس الكروية، ويتعلمونها الأطفال منذ النشء وذلك عام 1873م، وهو التاريخ الذي ابتدأت منه كرة القدم في كوريا. استكمال التأسيس باتت كرة القدم ذات شهرة في المدارس، وبين التلاميذ الكوريين الذين شغفت هذه المستديرة الصغيرة قلوبهم، وسرقت اهتمامهم من البيسبول بشكل واضح، وأصبحت إقامة دوريات كروية في المدارس الفكرة الدارجة بين مدارس كوريا الجنوبية، وكانت مدارس اللغات الأجنبية لها وافر النصيب من كرة القدم، باعتبار تعدد الجنسيات فيها ومن بين هؤلاء كان يوجد طلبة بريطانيون، يملكون إلماماً أكبر في قوانين وقواعد كرة القدم الشهيرة في بلادهم، وكذلك باتت كرة القدم جزءا من نشاط الجيش الكوري ترفيهياً، حيث أصبح أفراد الجيش يقضون أوقات فراغهم في ممارسة كرة القدم، وفيما بعد قاموا باستحداث دوري عسكري مخصص للأفراد الذين يعملون في قطاع الجيش فقط، وكانت كل هذه التحركات الكورية دونما أن يؤسس أي ناد رياضي، بل كانت العملية محصورة على الجانبين العسكري والتعليمي فقط. تطور مستمر أصبحت كرة القدم تتطور بشكل أفضل في كوريا، كلما ازداد انتشارها بين الشعب وارتفعت أعداد المهتمين بشأنها، وفي عام 1912م دخلت قواعد كرة القدم رسميا لأول مرة إلى البلاد، وذلك على يد طالب كوري كان مبتعثاً للدراسة في الصين، وحين عاد إلى بلاده الكورية أحضر معه نسخة من هذه القواعد مترجمة، لتكون المرجع الرئيس لكرة القدم في كوريا، ولتتوحد أنظمتها ولوائحها مع أنظمة ولوائح كرة القدم في دول العالم الأخرى، وفي عام 1928م شهدت كرة القدم منظمة كرة القدم الكورية، التي كانت تمارس أدوار الاتحادات الرياضية في عصرنا الحاضر، واستمرت هذه المنظمة في إدارة الحركة الكروية في كوريا خمسة أعوام، قبل أن يتم تأسيس اتحاد رياضي فرعي عام 1933م، وبعد أن وقعت الحرب الكورية – اليابانية على خلفية الحرب الأهلية الثانية، فقد تشتت الاتحاد الكوري الجنوبي وتفرق شمل كرة القدم، وأصبحت أوراق هذه اللعبة مبعثرة دون ترتيب. إعادة الحياة بعد أن توقفت كرة القدم في كوريا سنوات، بسبب اندلاع الحرب اليابانية – الكورية، استطاع الكوريون أن يلملموا أوراقهم المتناثرة ويستعيدون عافيتهم، ويعيدون تأسيس اتحاد كرة القدم المحلي، وذلك في حلول عام 1945م، حيث تم تأسيس الاتحاد الكوري الجنوبي من جديد، وبعد ذلك بثلاثة أعوام تم الانضمام إلى مظلة الاتحاد الدولي لكرة القدم، واعتماد أوراقه كواحد من الاتحادات الرسمية، بخلاف الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، الذي انتظر الكوريون حتى عام 1954م ليندرجوا تحت مظلته، وترتب على تأسيس الاتحاد الكوري الجنوبي لكرة القدم، إنشاء منتخب وطني يحمل لواء كرة القدم الكورية، وذلك عام 1945م وبعد أن التحق الاتحاد الكوري بالاتحادات الرياضية في "فيفا"، أصبح بإمكان المنتخب الكوري أن يشارك في البطولات الرسمية. بدايات المنتخب كانت مباراة كوريا الجنوبية أمام منتخب المكسيك، التي لعبت عام 1948م أول مباراة رسمية يخوضها المنتخب الكوري، واستطاع أن يحقق الفوز خلالها 5/3، ولم تنتظر كوريا الجنوبية طويلاً للمشاركة في كؤوس العالم، ففي النسخة التي استضافتها ملاعب سويسرا عام 1954م، حمل منتخب كوريا الجنوبية أمتعته وغادر إلى سويسرا، وذلك للمشاركة في المحفل العالمي كممثل عن قارة آسيا، ولكن مشاركته الأولى كانت هزيلة إلى حد كبير، حيث تعرض لهزيمتين تاريخيتين أمام منتخب المجر بنتيجة 9/0، وبعد ذلك خسرت أمام تركيا بنتيجة 7/0، لتنتهي مشاركتها الأولى في كأس العالم بخيبة أمل، خيمت على الكوريين في ظهور منتخبهم الأول في كؤوس العالم. عودة من جديد غاب منتخب كوريا الجنوبية عن المشاركة في كؤوس العالم، واستغرقت مدة هذا الغياب أكثر من 30 سنة، حتى عاد من جديد إلى المشاركة في نهائيات كأس العالم صيف 1986م بالمكسيك، ولعب المنتخب الكوري في المجموعة الأولى مع الأرجنتينوإيطالياوبلغاريا، وخسر مباراته الأولى أمام راقصي التانجو 3/1، وتعادل في المباراة الثانية أمام بلغاريا 1/1، ومع خسارته المباراة الثالثة أمام إيطاليا 3/2، غادر رسميا منافسات كأس العالم متذيلاً سلم الترتيب، ولم يسجل منتخب كوريا غيابه عن كؤوس العالم بعد هذه النسخة، حيث شارك في جميع المنافسات المونديالية، حتى إن كانت مشاركته في هذه النسخ مشاركة ضعيفة، وتتوقف في غالب الأمر عند دور المجموعات، إلا أنه استطاع أن يكون الممثل الدائم لقارة آسيا في كأس العالم، منذ مشاركته في مونديال عام 1986، الأمر الذي شكل لمنتخب كوريا ولاعبيه خبرة فنية واسعة، رفعت من إمكاناتهم الفردية الشيء الكثير. مشاركات مميزة غلب على حضور منتخب كوريا في كؤوس العالم، الحضور المتواضع، ولكن منتخب كوريا أظهر وجهه الآخر في نسختين من كؤوس العالم التي شارك فيهما، ففي نهائيات كأس العالم 2002، التي استضافتها كوريا الجنوبية بالتعاون مع اليابان، قدم منتخب كوريا مشاركة استثنائية متسلحاً بهتافات جماهيره، ففي مجموعته التي ضمت إلى جواره البرتغال والولايات المتحدة وبولندا، لم يخسر منتخب كوريا الجنوبية على الإطلاق، فقد هزم المنتخب البولندي 2/0 في افتتاحية مبارياته بالبطولة، ثم تعادل 1/1 أمام المنتخب الأميركي، وفي مباراته الأخيرة لم تكن مواجهة البرتغال المدجج بالنجوم مرهبة له، فاستطاع أن يهزمه 1/0، ويعبر على حسابه نحو دور ال16، ويودع منتخب البرتغال بنجومه نهائيات كأس العالم، وفي دور ال16 كان منتخب إيطاليا الخصم الجديد لكوريا، والتوقعات تشير إلى هزيمة كورية، لكن الذي حدث هو خلاف ذلك، فقد خسرت إيطاليا أمام كوريا 2/1، وفي ربع النهائي التقى منتخب كوريا المنتخب الإسباني، وألحقه بنظيره الإيطالي بعد أن تفوق عليه بركلات الترجيح، وفي نصف نهائي البطولة، كافح منتخب كوريا ليعبر منتخب ألمانيا للمباراة النهائية، لكن الماكينات الألمانية أبطلت مفاجأة كوريا وأقصته من البطولة بعد الانتصار عليه 1/0، وفي نسخة عام 2010، تجاوز منتخب كوريا دور المجموعات رفقة المنتخب الأرجنتيني، لكن مشاركته انتهت بعد الخسارة أمام الأوروجواي 2/1. بطل آسيا يعتبر منتخب كوريا الجنوبية من أقوى المنتخبات الموجودة في كرة القدم الآسيوية، ومنافسا شرسا على تحقيق لقب البطولة القاري، ففي مشاركاته ال13 في بطولة كأس آسيا، استطاع منتخب كوريا الجنوبية أن يحقق لقب البطولة مرتين، كانت الأولى عام 1956م التي استضافتها هونج كونج، ولعبت من دور واحد بنظام الدوري، وحقق منتخب كوريا الأعلى نقاطا وتوج بطل آسيا، وفي نسخة عام 1960م استضافت كوريا الجنوبية بطولة كأس آسيا، واستطاعت أن تكرر انتصارها بلقب البطولة، وذلك بفضل تحقيق المنتخب الأعلى نقاطاً مع المنتخبات الأخرى المشاركة في البطولة، ويوجد منتخب كوريا بشكل مستمر في المراتب الأولى لبطولة كأس آسيا، حيث غادر من دور المجموعات مرة واحدة طوال فترة مشاركته في كؤوس القارة الآسيوية، وكان ذلك عام 1984م، وهو الخروج الذي اعتبره الكوريون درساً لهم لا يجب أن يتكرر ولا سيما في البطولات القارية. أبطال كوريين يعتبر لاعب كوريا تشا بوم كون أحد أبرز نجوم كرة القدم الكورية، فهو أكثر اللاعبين مشاركة بقميص منتخب كوريا، وأكثرهم تسجيلاً للأهداف في المباريات الدولية، وكان له الفضل الكبير في عودة منتخب بلاده إلى المشاركة في كؤوس العالم عام 1986م، ولا يمكن نسيان لاعب مانشستر يونايتد السابق بارك جي سونج، الذي ابتدأ مسيرته في ملاعب كوريا قبل أن يحترف في الدوري الهولندي، ومنه عبر إلى مانشستر يونايتد كأول لاعب آسيوي يحمل قميص الشياطين الحمر، وظفر لاعب كوريا هونج ميونج بو بكونه أول لاعب كوري يشارك في أربع كؤوس عالم بقميص المنتخب الكوري، وتحت قيادة لاعب وسط توتنهام الإنجليزي سون هيونج مين، سيخوض منتخب كوريا الجنوبية مونديال روسيا المقبل، بحثاً عن مشاركة جديدة تكون أبعادها أقصى من دور المجموعات، وبآمال أن يكرر المنتخب الكوري إنجازه المميز الذي قدمه في منافسات كأس العالم عام 2002 من خلال وصوله إلى المركز الرابع.