استهل إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي خطبته بقوله: أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله تعالى للأولين والآخرين، "وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ"، ثم مذكراً فضيلته المصلين "انتصف شهر شعبان، وانقضت أيامه ولياليه، ولم يبق منه إلاّ القليل، ولا يزال بعض الناس هدانا الله وإياهم، في مشاحنة ومشاحة، مع ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ" رواه ابن ماجة في سننه. وبيّن أنّ من جمع في صدره التوحيد وسلامة قلبه، فقد استوجب الرحمة والمغفرة من ربه، فالقلب السليم يا عباد الله، هو الذي سلم من كل شبهة تعارض خبر الله، ومن كل شهوة تبعده عن الله، فالقلوب السليمة، هي التي امتلأت بالتقوى والإيمان، ففاضت بالخير والبر والإحسان، وتزين أصحابها بكل خلق جميل، وانطوت سريرتهم على النقاء وحب الخير للآخرين. وأضاف: ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم، فقد منَّ الله عليه بانشراح صدره، وسلامة قلبه، وطهارة نفسه، فقد أوذي أشدَّ ما تكون الأذيَّة في سبيل تبليغ دعوته، ومع هذا كان أسلم الناس صدراً، وأكثرهم عفواً، ففي الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ"، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، هم أطهر الناس قلوباً بعد الأنبياء. وأوضح أنه جاءت الشريعة المباركة، بالمحافظة على تصفية القلوب، وسلامة الصدور، ووحدة الصفوف، فأمر صلى الله عليه وسلم بتسوية الصفوف في الصلاة للمحافظة على سلامة الصدور، مضيفاً: بل مغفرة الله تعالى للعبد لا تحصل إلاّ بسلامة صدره، فيا عبد الله، نقِّ قلبك، يُغفر ذنبك، وإن سلامة الصدر نعمة ربانية، ومنحة إلهية، ينتج عنها مجتمع متماسك لا تهزه العواصف، ولا تؤثّر فيه الفتن، بل هي من أسباب التمكين والنصر على الأعداء، وأصحاب القلوب السليمة، يبلغون المنازل العالية، بنقاء قلوبهم، ما لا يبلغه الصائمون القائمون بصلاتهم وصيامهم، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، لم يلتفت لكثرة صلاة أو صدقة أو صيام، وإنما نبه لصلاح هذا القلب، ونقائه من الشرك والغل والحقد والحسد.