ردت الصحافة القطرية التي تعكس عموما الرأي الرسمي، بقوة على الخطوة التي اتخذتها السعودية والاماراتوالبحرين بسحب سفرائها من الدوحة، مشددة خصوصا على سيادة قطر وحقها بان يكون لها سياسة مختلفة. وكتبت صحيفة الوطن تحت عنوان "يا سادة.. قطر ذات سيادة" ان سبب الخطوة الخليجية هو "الاختلاف في وجهات النظر لا اكثر ولا اقل"، واصفة قرار الدول الثلاث بانه "هفوة دبلوماسية وكبوة سياسية وضربة للوحدة الخليجية". واعتبر كاتب المقال ان "الدول ليست محافظات، حتى لا يكون لها الحق في ابراز مواقفها الخارجية وشخصيتها السياسية". من جهتها، كتبت صحيفة الراية تحت عنوان "لا تابعين لاحد.. هذه قطر" ان الدولة الخليجية الغنية بالغاز "دولة راشدة ذات سيادة لها كلمتها ومكانها اللائق بها بين الامم، دولة مؤثرة وصاحبة كلمة وصوت قوي". اما صحيفة العرب، فرأت ان "بعض الاشقاء في الخليج ما زال يعيش بعقلية الاملاءات متناسيا ان قطر تنتهج سياسة مبدئة مستقلة وترفض التبعية لاحد". واستعادت الصحيفة قول امير البلاد تميم بن حمد آل ثاني "نحن قوم نلتزم بمبادئنا وقيمنا ولا نعيش على هامش الحياة ولا نمضي تائهين بلا وجهة ولا تابعين لاحد ننتظر منه توجيهنا". وفي اشارة الى استياء دول خليجية من قناة الجزيرة، كتبت صحيفة العرب "لا بد من التذكير ان الجزيرة شبكة اخبارية تبث من قطر فطر لا تملي على الجزيرة تبني سياسة بعينها". وهنا نص افتتاحية الوطن القطرية تحت عنوان «ياسادة.. قطر ذات سيادة» في الرابع من فبراير عام «1981» عقد وزراء خارجية دولنا الخليجية الست مؤتمرا في الرياض، وقعوا في ختامه على وثيقة إعلان قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي نص البند الأول من الأهداف الأساسية الخمسة للمجلس فيها على «المساواة في السيادة». في القوانين الناظمة للعلاقات الدولية فإن معنى السيادة هو استبعاد سلطة الدول الأخرى، لأنها ليست فوق سلطة الدولة المعنية، وهذا معناه ممارسة السيادة في ضوء الالتزام الدولي، واحترام شخصية الدولة واستقلالها، وتمتعها بممارسة الحقوق الكامنة في السيادة التامة دون أدنى تدخل، ومن مظاهرها، أن تكون الدولة هي صاحبة القرار في علاقاتها الدولية. خلال الأعوام المنصرمة، واجهت دولنا الست العديد من الاختبارات الصعبة، بسبب التطورات المتلاحقة التي عصفت بالمنطقة العربية عامة، والخليجية خاصة. ولقد نجحت في تلك الاختبارات إلى حد ما في تجاوز كل الأزمات، وبدرجة جيدة من النجاح، على الرغم من التباينات التي نعرفها جميعا، وكان ذلك مدعاة ارتياح وتفاؤل، إذ أدى ذلك إلى شعور عام مفاده أن هذا الكيان الخليجي ولد ليبقى وليتطور بالصورة التي تخدم مصالح شعوبنا الخليجية، وأن الزمن كفيل بتطوير أدواته وتشريعاته ومكامن القوة فيه، بما ينسجم مع طموحاتنا، وبما يؤهله للعب الدور الذي يجب أن يلعبه في حماية المنطقة من الأخطار وترجمة الطموحات الشعبية، وما أكثرها. لقد شهدت منطقتنا الخليجية العديد من العواصف، بل الأعاصير، وكان جليا لكل ذي بصيرة، أن بيتنا الخليجي كانت لديه المناعة والقوة لدرئها والتصدي لها، لكن ما حدث بالأمس أعاد التساؤلات، وأحيا الهواجس، وأعطى للشكوك ما يبررها، إذ إن الأحداث الأخيرة التي شهدها عالمنا العربي، والتي كانت الأقل خطورة، قياسا بالحروب الثلاث التي وقعت في منطقة الخليج، والتي صمد خلالها البيت الخليجي، وأكد صلابته، وصرامته.. لكن في المقابل ومن المؤسف أنه كان هشا للغاية في مواجهة قضايا لا يمكن وضعها على الإطلاق في خانة تلك المراحل المحورية التي شهدتها منطقتنا، ولا في حجم تحدياتها الأمنية والسياسية، ومع ذلك، وبعد نحو «33» عاما على قيام كياننا الخليجي وجدنا أنفسنا، كخليجيين، في مواجهة سابقة خطيرة تمثلت في قرار كل من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين سحب سفرائها من الدوحة، أما السبب فهو الاختلاف في وجهات النظر، لا أكثر ولا أقل، وحيال مواقف وقضايا واقعة خارج إطار دول مجلس التعاون، ولا علاقة لها، لا من قريب ولا من بعيد، بأمن دولنا أو شعوبنا. هذا القرار لا يمكن أن نصفه قياسا بأداء المجلس وحكمته منذ تأسيسه إلا ب «هفوة» دبلوماسية و«كبوة» سياسية وضربة للوحدة الخليجية.. ويقدم في ذات الوقت خدمة تاريخية للمتربصين بدولنا، والمحرضين ضدنا، ويهدد استقرارنا في جميع دول المجلس دون استثناء! وعزاؤنا الوحيد أن الشعوب ترتبط بمواثيق وعرى وروابط دم وجيرة ونسب لا يغيرها الزمن ولا تؤثر فيها المصالح.. كما أن لديها من الوعي والحكمة ما يجعلها قادرة على إدارة الأزمات بعيدا عن إثارة الفتن ما ظهر منها وما بطن! لقد اتسمت مواقف قطر بالحرص على دول مجلس التعاون، وعلى الكيان الذي يجمعنا معا، وبدا ذلك جليا بالعمل الدؤوب من أجل تقوية هذا الرابط عبر تنفيذ كافة التزاماتها، وفقاً لما يتم الاتفاق عليه بين دول المجلس بشأن الحفاظ وحماية أمن كافة دول المجلس واستقرارها، لذلك كان مفاجئا للغاية، ليس سحب السفراء فحسب، على أهميته ودلالاته، وإنما في الأسباب التي تم في سياقها اللجوء إلى هذا الإجراء بزعم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في المجلس، وهذا يطرح ألف علامة استفهام، على اعتبار أنه لا يتمتع بأي سند أو دليل على الإطلاق، ولا يتجاوز كونه «قصص» يؤلفها الحاقدون ويروجها المأجورون! نحن والأشقاء جميعا، والقاصي والداني أيضا، نعلم أن إجراء سحب السفراء فرضته «الاختلافات» حول قضايا، مسرحها خارج البيت الخليجي، وليس في «حديقته» حتى، وطالما الحال على هذا النحو، هل يحق لنا أن «نهز» هذا البيت بهذه الصورة، وبهذه الشدة، وبهذا القدر؟ هل يحق لنا أن نصيب شعوبنا بالاحباط واليأس في ظروف نعرف خطورتها جميعا؟ هل يحق لنا «وأد» أحلام عمرها أكثر من ثلاثة عقود، لأننا لم نتفق على موقف موحد مما يجري خارج منطقتنا الخليجية؟ كل هذه التساؤلات تكتسب مشروعيتها من حقيقة أن قطر كانت في مقدمة الداعمين لتعزيز مجلس التعاون، وفي مقدمة الداعين والعاملين في سبيل تقوية الأواصر والصلات بين شعوبنا، لذلك كانت المفاجأة كبيرة، مع يقيننا بأن قطر باقية على العهد، حريصة على الود، وأن ما حدث بالأمس «سحابة صيف» لن تلبث أن تتبدد أمام حقيقة ما يربطنا من أواصر وما يجمعنا من مشاعر، وما يبقينا متكاتفين في وجه تحديات صعبة تستهدفنا جميعا دون استثناء، كان من المفترض أن تشكل عامل جذب وجمع لزيادة مناعتنا وتقوية صفوفنا وحشد طاقاتنا للنهوض بمسؤولياتنا تجاه تعزيز هذا الكيان، ومن ذلك الوحدة النقدية الخليجية الموحدة التي وقعت على اتفاقيتها كل من السعودية والكويت وقطروالبحرين، في حين انسحبت دولة الإمارات العربية المتحدة، احتجاجاً على اختيار الرياض مقراً للبنك المركزي، دون أن ننسى الاتحاد الجمركي، والكثير الكثير من القضايا والأمور التي لا تحتمل التأجيل. فهل يعقل، والحال هذا، أن يفسد الاختلاف في الرأي حيال قضية، أو قضايا خارجية، كل الود؟ ويتناسى كل الإيجابيات والمواقف والنقاط المضيئة؟ هل هذا مقياس حكيم للصورة من كل زواياها؟ هل يعقل أن نضع البيت الذي بنيناه خلال عقود أمام إعصار مدمر، لأن كل ساكن يريد أن يتمتع بخصوصيته عندما يدخل غرفته؟ وهذا من أبسط حقوقه السيادية، وحقوق «الجيرة» والمشاركة؟ فالدول ليست «محافظات» ولا «إمعات» حتى لا يكون لها الحق في إبراز مواقفها الخارجية وشخصيتها السياسية! لقد وقفت قطر مع أشقائها الخليجيين في السراء والضراء، وهذا ليس من قبيل المنة، لا سمح الله، وإنما من باب العودة لسجلات التاريخ، لنتذكر من كان في الصفوف الأولى وقت الشدائد فأمن الخليج خط أحمر وسيادة أراضيه وسلامة مواطنيه واجب، ولا نحتاج الخوض في المزيد من التفاصيل، فقطر «سيف مجرب» في الوقوف إلى جانب الحق ونصرة المظلوم حتى استحقت بكل جدارة لقب «كعبة المضيوم» إذ كان ديدنها على الدوام حيال القضايا الخليجية والعربية والإسلامية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». مواقفنا ثابتة، ثبات الحق وأهله، واضحة وضوح الشمس، صلبة صلابة رجال هذا الوطن وأبنائه وبناته، لا تأخذنا في الحق لومة لائم، لذلك نتطلع إلى المستقبل، عازمين وحازمين، مؤمنين بأن بناء الأوطان لا يقوم إلا على بناء إنسان يملك الإرادة، صلب العزيمة، قوي الشكيمة، ندرك بيقين وإيمان بأن مستقبلنا يكمن في قوة خليجنا، وتكاتف أبنائه، وعزيمة شعوبه، من أجل الوصول إلى ما نحب ونتمنى، ونحن على يقين بأن شعوبنا الخليجية قادرة على تقدير مواقفنا وفهم دلالاتها وطبيعة أهدافها، ما يقودنا إلى أن من واجب الأشقاء جميعا تفهم حقيقة أن من حق كل دولة تبني ما تراه مناسبا فيما يتعلق بالسياسات الخارجية وإبقاء الخلافات والاختلافات في وجهات النظر، داخل إطار محدد، لا يزعزع البيت الخليجي ولاينال منه، ولنا في مواقف التكتلات الإقليمية الأخرى نبراس ودليل على صحة هذا التوجه وضرورته، خاصة دول الاتحاد الأوروبي التي لم يزعزع تجمعها أي خلاف تجاه القضايا السياسية الدولية، مع أن لها دورا مؤثرا وهاما للغاية. لم نسمع أن فرنسا أو إسبانيا سحبتا سفيريهما من ألمانيا بسبب خلاف على قضية دولية أو إقليمية، إن الحوار، والحوار وحده هو الوسيلة الأمضى لتشكيل القناعات وبناء المواقف وتعزيز وجهات النظر، وانقطاع الحوار هو النقيض لكل ذلك، مع ما يحمله من مساوئ نأمل أن تبقى بعيدة عنا وعن بيتنا الخليجي. لقد اتسمت مواقف قطر على الدوام بتغليب الحكمة والمصالح المشتركة، ونأت بنفسها عن المواقف الإعلامية الموتورة والتأجيج البغيض، والتحريض الرخيص، وساعدت على الدوام، أينما تأتّى لها أن تساعد، وبذلت أينما تأتّى لها أن تبذل، مؤمنة بالمصير المشترك الواحد وبتغليب مصلحة الأخوة والأشقاء على ما دونها من مصالح، وهي على التزامها الدائم والمستمر بكافة المبادئ التي قام عليها مجلس التعاون الخليجي، وكذلك تنفيذ كافة التزاماتها، وفقاً لما يتم الاتفاق عليه بين دول المجلس، بشأن الحفاظ وحماية أمن كافة دول المجلس واستقرارها، فهذا هدف نبيل نبذل الغالي والنفيس من أجله، ومن أجل شعوبنا الخليجية، ومصيرنا المشترك.