صوت حائل: يمثل الشباب في المملكة النسبة الأعلى بين شرائح المجتمع، الأمر الذي يعني أن هناك نمواً كبيراً في الطلب على الوحدات السكنية، وبالتالي ضرورة وجود موازنة منطقية بشكل دائم بين العرض والطلب في قطاع الإسكان، التي يبدو أنها في الواقع العملي غير متكافئة حالياً لصالح الطلب. ومن جراء ذلك أصبح لدينا إشكالية في قطاع الإسكان من عدة نواح مهمة وجوهرية تضاف إلى مشكلة التمويل وتوفر الأراضي، لتتعدى إلى عدم وجود النظم والتشريعات والتخطيط والاستغلال الأمثل للمساحات البيضاء. ونتيجة لهذه الإشكالية المتأزمة، وفي إطار المساهمة في حلها، أصدر خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - أوامره الكريمة بزيادة التمويل الحكومي وزيادة مبلغ قرض صندوق التنمية العقارية إلى (500) ألف ريال، مع إنشاء وزارة للإسكان يفترض أن تعنى بشؤون السكن، وهذه القرارات بإذن الله ستسهم في حل المشكلة إذا أحسن استغلالها وإدارتها. ومنذ صدور تلك القرارات السامية، لا يزال يدور جدل حول قضية الإسكان بكل ما فيها من تطلعات وآمال، إلاّ أن تقييد الصندوق العقاري الممول الرئيسي للأفراد الإفادة من خدماته، قد أدى لتعقيد معطيات هذا المشروع بشكل لافت، ولعل من أهم المآخذ عليه - كما يرى كثير من المواطنين المتطلعين - هو اقتصار الزيادة في قيمة القرض فقط على من صدرت لهم القروض بعد قرار الرفع، ومثل ذلك مقدار الدفعات وخاصةً الدفعة الأولى التي لن تكون كافية للبدء بشكل عملي في المشروع، وكذلك حرمان بعض المواطنين من الحصول على القرض، خاصة من تمكنوا من تملك وحدات سكنية بطرقهم الخاصة مثل الاستدانة أو المشاركة أو بأي طرق أخرى حتى وإن كان تاريخ تقديمهم للحصول على القرض مضى عليه ما يناهز (20) عاماً أو أقل أو أكثر، إلى غيره من الملاحظات المهمة، من دون أن يكلف الصندوق نفسه في البحث عن حلول قد تكون عملية ومرضية للجميع. «الرياض» تطرح الموضوع لمناقشة قضية الإسكان، وتعامل صندوق التنمية معها، فكان هذا التحقيق. مشاكل تراكمية في البداية قال «د. إبراهيم العمر» عميد كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة القصيم: إن جامعة القصيم ممثلة بكلية الاقتصاد والإدارة، واستشعاراً منها بأهمية هذا الموضوع، عقدت قبل عدة أيام ورشة عمل متوجة بموافقة سامية كريمة، مضيفاً أن الورشة هدفت إلى مناقشة قضية الإسكان من منظور شمولي نحو البحث في آليات تفعيل القرارات السامية الكريمة، مع تقديم رؤى تفيد متخذ القرار في تحسين بيئة قطاع الإسكان على المدى البعيد، ضمن إطار عمل وزارة الإسكان ومعوقاته وأهم قضاياه بما فيها التمويل العقاري، مشيراً إلى أن معظم مشاكل قطاع الإسكان هي تراكمية وليست وليدة الساعة، نشأت بفعل استغلال بعض لطبيعة الريعية للاقتصاد المحلي، مع انعدام وجود أدوات تصحيحية تشريعية وتنظيمية، تسهم في نمو متوازن للقطاع مع النمو السكاني، إلى جانب اختزال قضية الإسكان بالتمويل فحسب، والاعتقاد أن الحكومة ومن خلال الصندوق العقاري لديها وحدها الحل السحري للقضية، موضحاً أنه نتيجة لذلك نشأ اقتصاد هامشي ريعي ضخم ينمو بفعل زيادة الطلب على السكن والخدمات التجارية والإدارية، ذاكراً أن توسع المدن مقرون بأعمال احتكارية لتجار الأراضي من دون العمل على تطويرها وبنائها وعرضها للبيع، حيث ذلك كفيل بجلب أرباح خيالية لملاك الأراضي، لافتاً إلى أنه في النهاية تصل تكلفة الأرض في العمق الصحراوي وخارج المدن لما نسبته (70%) من تكلفة المسكن، ما يعني أن جزءاً كبيراً من التمويل الحكومي المتمثل بالقرض يذهب لتمويل الأرض، مع العلم أن نحو (50%) من متوسط مساحات النطاق العمراني للمدن أراضي بيضاء خام غير معروضة للبناء. زكاة الأراضي وأوضح «عبدالله الوابلي» رئيس الجمعيات التعاونية بالمملكة، أن الإفادة من قروض الصندوق العقاري إلى حد كبير يعتمد على نظام تملك الأراضي، التي أصبحت صعبة المنال، خاصةً على ذوي الدخل المحدود، مقترحاً فرض رسوم سنوية على الأراضي لكي تحد وتمنع احتكار وحجر الأراضي، وقال متعجباً: من المعروف أن تاجر الحديد أو تاجر الأسمنت أو أي سلعة أساسية إذا احتكر بضاعته لمدة من الزمن رغبة في زيادة السعر، فإنه يغرّم ويشهر به، بينما مالك الأرض وهي الأساس في الإسكان فإنه يترك له احتكارها ويضارب بها لمدة طويلة، ما يرفع أسعار السكن، مؤكداً أننا لا نجد من يتحدث عن هذه الممارسة الخاطئة، مشيراً إلى أنه لو تم فرض رسوم أو زكاة على تلك الأراضي لوجدنا أن أسعارها تتراجع إلى الحدود المعقولة والمنطقية. زيادة مستمرة وذكر «د. العمر» أن هناك إشكاليات ظاهرة في قطاع الإسكان، وأن دور الوزارة الحقيقي هو في مراجعتها والتركيز فيها في البداية، مع تقديم حلول لها من حيث انتهى قرار خادم الحرمين الشريفين بإنشاء وزارة للإسكان، مضيفاً أنه تتلخص هذه الإشكاليات بالزيادة المستمرة في الطلب على الإسكان (250) ألف وحدة سكنية سنوياً، والحاجة لتمويل هذه الوحدات الجديدة، وكذلك في محدودية الأراضي المعروضة لإنشاء الوحدات الجديدة، حيث نحتاج لنحو (200) إلى (300) مليون متر مربع سنوياً من الأراضي لتمويل الزيادة في الطلب، مبيناً أنه تبعاً لذلك تأتي مشكلة التمويل التي لا يمكن بحال أن تكون حكومية بالكامل، رغم أن المملكة مشكورة أخذت على عاتقها منذ التسعينات الهجرية تمويل البناء عن طريق قروض الصندوق العقاري، حيث قدمت ما يزيد على (170) مليار ريال، أسهمت في إحداث نهضة عمرانية كبيرة، مع أن التركيز كان على التمويل فقط، وترك للقطاع الخاص المتاجرة بالأراضي من دون أي ضوابط تحد من الارتفاعات القياسية الريعية وغير المنتجة داخل وخارجها. خلل هيكلي وأكد «د. العمر» على أن هناك خلل هيكلي في قطاع الإسكان، تتحمل الحكومة تبعاته، بانعدام وجود تشريع متكامل ومنتظم لأعمال الإسكان يشمل تنظيم ملكية الأراضي وحيازتها، مع عدم أخذ الرسوم على غير المستغل منها، مضيفاً أنه ترتبط المشكلات غير الظاهرة بانعدام وجود مواصفات ومقاييس للمسكن يتناسب مع الاحتياجات الفعلية للأسرة كما يتناسب مع بيئة الجزيرة العربية المتسمة بشدة الحرارة صيفاً والبرودة شتاء، وعدم وجود كود للبناء يطبق كاملاً بما في ذلك المساحات الطبيعية للمساكن المتعارف عليها عالمياً، إذ إن المعروف أن غالبية المساكن لدينا تزيد بنحو الضعف عن المعدل العالمي لمساحة المسكن، موضحاً أن هناك مشاكل مرتبطة بتنظيم قطاع التمويل وإعادة هيكلته بما في ذلك صندوق التنمية العقاري ونظام الرهن العقاري. أسلوب تنافسي وأوضح «د. العمر» أن وزارة الإسكان قطاع حكومي، والحكومة يفترض أن تكون عنايتها بالقضايا السيادية التخطيطية والتشريعية والرقابية، مضيفاً أن المطلوب منها وضع خطة إستراتيجية لقطاع الإسكان تتضمن هيكلة القطاع إلى ثلاثة أجزاء رئيسة، أولها الوزارة كقطاع حكومي سيادي يعنى بالتخطيط والتشريع والتقييس والرقابة فقط، والثاني هو قطاع التمويل العقاري بما في ذلك الصندوق، الذي ينبغي تحويله إلى بنك عقاري كشركة مساهمة تسهم الحكومة في الجزء الأكبر من رأسمالها، من خلال دمج رأس مال صندوق التنمية العقاري وقروضه معها، مبيناً أنه يمكن أن تنشأ مؤسسات تمويلية أخرى منافسة، مع تشجيع البنوك على استثمار جزء من سيولتها في القطاع بعد تحسين البيئة التشريعية التمويلية بما في ذلك نظام الرهن العقاري، ليكون لدينا مؤسسات تمويل عقارية تعمل بأسلوب تنافسي، وتُمول كافة احتياجات القطاع السكني للأفراد وللمؤسسات العقارية والشركات للبناء والأراضي والتطوير، مشيراً إلى إن المكون الآخر الفاعل في قطاع الإسكان يتضمن الإفادة من الخبرات المتراكمة في الاقتصاد، من خلال إسناد أعمال التشييد والبناء وتملك العقار للقطاع الخاص، المدعوم بأنظمة البناء ومواصفاته ومعاييره القياسية للبناء ومواده وأدواته، مؤكداً أن القطاع الخاص هو الأفضل لأعمال الإنشاء والتعمير بدون منازع لعدة أسباب، أهمها أنه الأقل فساد مالياً وإدارياً، والأكثر كفاءة في أعمال الإنشاء والتعمير؛ لأنه عادةً ما ينظر إلى المجمعات السكنية الحكومية حتى مع إنشائها على أفضل المستويات نظرة دونية. مجمعات سكنية وحول حرمان صندوق التنمية العقاري بعض المواطنين من الحصول على قرض الصندوق، خاصة الذين تمكنوا من توفير وحدات سكنية خلال مدة الانتظار الطويلة قال «م. خالد الغليقة» مدير مبيعات قطاع الأعمال بالاتصالات السعودية: إن الصندوق العقاري بإمكانه أن يبدع بتقديم حلول ترضي الطرفين - أصحاب أسبقية التقديم المتملكين ومن بعدهم الذين لا يملكون سكن - مشيراً إلى أن الصندوق لديه الآليات والأدوات، ومن ذلك أن يشتري الصندوق مجمعات سكنية جاهزة من مستثمرين ومطورين عقاريين جاري تنفيذها حالياً أو جاهزة للسكن، ويمنحها للمتقدمين وفق المعايير الجديدة من حيث الأولوية للمحتاج فعلياً، فيما يُبقي على دفعات الصندوق للمتقدمين حسب الأقدمية، بحيث يرضي الجميع ويقدم حلول عملية لمن هم بحاجة إلى سكن عاجل، مضيفاً أن هناك عدد كبير من مشروعات الإسكان التي يتم الآن تنفيذها في عدد من مناطق المملكة، ومثلها تلك الملايين من الأمتار التي منحتها البلديات لوزارة الإسكان لإقامة وحدات سكنية في عدد من المناطق من الممكن أن تكون ضمن هذا المقترح. لائحة التسليف وفي إطار الحلول العملية لمشكلة التمويل أكد «الوابلي» أن صندوق التنمية العقاري يفتقر إلى لائحة للتسليف العقاري تختص بإقراض الجمعيات التعاونية الإسكانية، حيث النظام الحالي لا يفرق بين مقترض فرد أو جمعية إسكان تعاونية لديها آلاف المحتاجين، وقال: إن هؤلاء المواطنين بإمكاناتهم الفردية وبتعاملهم المباشر مع الصندوق لن يكون بإمكانهم الإفادة من قروض الصندوق؛ بسبب إمكاناتهم المتواضعة، وكذلك عدم تمكنهم من شراء أرض خاصة بهم، بل ولن تستطيع تلك الفئة الحصول على تسهيلات صندوق التنمية إلاّ من خلال جمعيات إسكان تعاونية، موضحاً أن جمعيات الإسكان التعاونية هي التي أثبتت قدرة على تهيئة المساكن المريحة المعقولة للفئات المتوسطة والفقيرة، ذاكراً أن نجاح التجارب الدولية في مجال الإسكان التعاوني خير دليل على ذلك، مبيناً أن لنا في تجربة المملكة تجربة جميلة في أن يحذوا صندوق التنمية العقاري حذو صندوق التنمية الزراعية، الذي أوجد لائحة تسليف تعاوني بإقراض وإدارة القروض مع الجمعيات التعاونية، حيث إنه بفضل الله ثم بفضل حكومتنا الرشيدة تمكن صندوق التنمية الزراعية من تفعيل الجمعيات التعاونية الزراعية، حتى أصبحت رقماً صعباً في معادلة اقتصادنا.