الذين يذهبون إلى دور السينما في البحرين لم يسافروا إلى هناك لأن السينما غاية أولى، حيث هم لا يفعلون ذلك باهتمام ملحوظ في دول عربية أخرى، ولكن لأن السينما جزء من مواقع ترفيه أو متعة أو فاصل وقت للراحة ما بين عمل وآخر.. نحن في مدننا داخل المملكة نعاني من وجود جدّية اجتماعية مفرطة بدءاً من حياة البيت ثم مروراً بالشارع والعمل.. والجدّية المفرطة إذا تجاوزت حدودها من الممكن أن تعطي توتّرات نفسية قد تكون مزعجة أو تحرّض على حدّة التعامل مع الآخر.. لدينا خاصية مهمة ومتعددة المواقع تاريخياً واجتماعياً بمقدورها أن تحتوينا لو جعلنا رأي الأكثريّة الواعية أكثر حضوراً من انغلاق الأقليّة التي تقرأ كل نص وفهم ومعلومة وعلاقة بمعيار محدود للغاية.. هذه الخاصية التي نكاد ننفرد بها هي أن مجتمعَنا في خليط الطفولة والشباب والرجولة والكهولة المتواجدين في مسار حياتنا يملك رصيد ذاكرة يمكن أن يعوّض غياب أي سينما أو مسرح، مع أن وجودهما ضرورة ثقافية وحضارية متى تم الابتعاد عن الابتذال والتعرّي.. هذا الرصيد يعني أننا نكاد نكون المجتمع الوحيد الذي تزدحم في ذاكرته صور البداوة الحقيقية عندما كانت «المراصيع» هي الخبز، و«قهوة الحلو» هي الشاي النادر وجوده آنذاك، ولم تكن هناك إلا وجبتان في اليوم خلال الضحى ثم يأتي عشاء العصر.. جلسة المشراق طريفة ومسلية.. قماش الملابس من نوع واحد.. ليس إلزاماً لكل مخترق للشارع أن يضع قدميه في نعل يحمي أصابعهما من تلك الانكسارات والرضوض.. تأتي بعد ذلك مرحلة أكثر انفتاحاً وإمكانيات وهي التي عرفنا فيها الدافور والشمسية وكرة القدم والبلاط بعد الاسفلت والرز، وأن في الطائف برودة وفي جدة مقاهي.. ثم أتت مرحلة أخرى تسابقت فيها المدن والقرى كي تحصل على مزيد تعليمي وتنويري وإعماري وتنوّع معيشة، وفهم أن هناك دولاً يمكن زيارتها سياحياً.. المتغيرات المتلاحقة التي هي دليل إيجابي كبير على سرعة التطور وتحوّل مواقع التصحّر النادر الأمطار والخضرة إلى مدن كبيرة يأتي إليها رجل الأعمال الأمريكي والآخر الياباني ومثلهما الصيني والبريطاني، ويتابع الناس في الصحف اليومية كيف أن عدد الزائرين من السياسيين المهمّين دولياً في عشرة أيام فقط يفوق ما تستقبله أيّ دولة في المدة نفسها.. تركي عبدالله السديري - الرياض