عادة ما تقوم برامج التثقيف (التوعية )على أساس أهداف محددة ومن المتعارف عليه أن النتيجة التي يطمح إليها القائمون على مثل تلك البرامج هو إحداث تغييرفي سلوكيات الفرد والمجتمع. ومن المثير للدهشة ما ذُكر في إحدى الكتب المختصة في التثقيف الصحي من معادلة رياضية توضح أن قيمة التغيير في السلوك كمنتج نهائي تقدرب 3% فقط. وتشير تلك المعادلة إلى أن هذه القيمة قد نحصل عليها في ظل أفضل البرامج والحملات التثقيفية والتوعوية المنفذة والتي عادة ماتنفذ لزيادة المستوى المعرفي ولتغيير القناعات ولتحسين التوجه ولزيادة دعم الناس في المجتمع لتبني سلوكيات صحية. وهذا كله يؤكد على أن التثقيف الصحي يختلف جملة وتفصيلاً عن كونه وصفه طبية لدواء يعطى لمريض، بل هو عملية معقدة تتداخل فيها الكثيرمن محددات الصحة. إذاً ما هي جدوى الإنفاق على برامج وحملات التثقيف الصحي إذا كنا سنحصل على تلك القيمة الضئيلة من تغييرفي السلوك؟ الإجابة هي أننا في حاجة إلى عمل دؤوب وحشد للجهود من تسخير للظروف البيئية والظروف الاجتماعية وكذلك القوانين والسياسات الصحية التي تضبط السلوك والتي جميعها تحفزوتدعم المجتمع لتبني السلوكيات الصحية. ولنقرب الفكرة للأذهان، سوف أستشهد هنا ببرامج التوعية بأضرار التدخين. نجد أنه وعلى الرغم من وفرة الرسائل التثقيفية عن أضرار التدخين وتواجد البرامج الصحية لمكافحة التدخين بالمملكة منذ أربعين عاماً وبرامج التثقيف بالمدارس وغيرها. إلا أن مسح "منظمة الصحة العالمية الخاص بصحة المراهقين" في العام 2007م بالمملكة قد كشف عن أن هناك ازدياد في معدلات التدخين لدى فئة المراهقين من 13-15 سنة خلال الثمان سنوات التي سبقت المسح. حيث سُجل ارتفاع في معدلات التدخين من 6% إلى 9%, ووصفت هذه الزيادة بأنها مفزعة. لاسيما أن إحدى الدراسات المنشورة في نفس العام قد أوضحت أن مايقارب 70% من المدخنين والمدخنات قد بدأوا التدخين عند سن الثانية عشر!!!. حري بنا أن نتوقف قليلاً عند تلك الأرقام والمعدلات، والأحرى أن نقف عند دورالمجتمع ودور السياسات الصحية في ضبط مثل هذا السلوك. لقد تأسفت كثيراً عندما علمت أن ما يعرفه الغربيون عنا أن التدخين مقبول في مجتمعنا السعودي وأن أي مدخن يمكنه التدخين في أي مكان عام. تُرى هل تكونت هذه الفكرة لديهم من فراغ؟ لا للأسف أنها ليست من فراغ. إنها حقيقة واضحة جلية يمكن لأي منا أن يلمسها عند جلوسه في أحد المقاهي. ولي فيها مشاهدات عديدة؛ منها أنني قد مررت بمجموعة من الشباب والشابات يدخنون الشيشة (المعسل) وبدون أدنى استنكار لمثل هذا السلوك داخل أحد المقاهي. حينها دار في ذهني عدة أسئلة منها؛ أين وعي المجتمع بخطورة الرفقة؟ وأين دعم وحب الأباء والأمهات؟ أين التجارالشرفاء المسئولون عن خدمة مجتمعاتهم ليوقفوا هذه المهازل داخل مقاهيهم ومتاجرهم؟،أين الأنظمة والسياسات الصحية؟ وحتى إن وجدت تلك الأنظمة والسياسات فإنها للأسف في الغالب لن تجد من يتابع تطبيقها. أسئلة كثيرة لا ينبغي أن نخلي مسئوليتنا تجاهها. وقد تُغضب تلك الأسئلة البعض!. وقد تكون إجاباتها في كثير من الأحيان محبطة. ولكن في حال أجبنا عن تلك الأسئلة المطروحة وحشدنا جميع الجهود الممكنة، أتوقع وكلي أمل بالله أننا سننجح في تغيير سلوكيات المدخنين من الشباب والشابات وحتماً سنرصد وسنحصل على معدلات تغيير في السلوكيات الإيجابية. وأذكركم هنا أن التوعية الصحية بمضار التدخين كمثال ويمكن للعاقل هنا أن يستقرئ نتائج بعض برامج التثقيف الصحي التي تستهدف سلوكيات الأفراد في حال اعتمادها فقط على رسائل التوعية دون إجراء تدخل حقيقي من المجتمع بإرادته لتعديل الظروف البيئية والإجتماعية. ولننشئ جيلاً على قدر المسئولية لحمل راية الإسلام بسلام وليرتقوا بالوطن وأهله. *رئيسة قسم تثقيف المرضى وعائلاتهم بمستشفى المساعدية للولادة والأطفال *إستشارية طب المجتمع