لقد أصبحت الأعمال إحدى العناصر الرئيسية في عملية إرساء بنية للاقتصاد العالمي، وبالتالي، الحوكمة العالمية، الأمر الذي يضع على عاتق قادة الشركات مسؤوليات جديدة غير مرحّب بها دائماً. وقد يندرج ضمن إطار هذه المسؤوليات الإقرار بقدرة أعمالهم على ترسيخ المعايير العالمية. ونذكر في هذا الإطار على سبيل المثال لا الحصر، الفساد. منذ زمنٍ غير بعيد، لم يكن متوقعاً من الشركات سوى الالتزام بالقوانين والأنظمة المرعية الإجراء في الدول التي تعمل فيها. ففي الدول التي ضمّت حكومات فعالة تمثّل إرادة الشعب، كان الأمر ناجحاً. لكن، ومع اتساع رقعة الأعمال على المستوى العالمي وبلوغها حدّ الأسواق الناشئة بحثاً عن قوى عاملة وموارد متدنية الكلفة، وجد قادة الشركات أنفسهم مجبرين على التعامل مع مؤسسات ضعيفة البنية. وإشارة إلى أنّ العديد من هذه الشركات انخرط سراً بأعمال رشوة وسواها من ممارسات الأعمال المشبوهة التي كانت تشكّل المعايير المعمول بها في الدولة أو المنطقة. هذا ويقرّ القادة العالميون أكثر من أي وقتٍ مضى أنّ أي قرار يتخذونه إما يعزز الممارسة القائمة حالياً أو يغيّرها، وبالتالي فإن كل قرار على مستوى الأعمال هو بمثابة فرصةٍ لصياغة معايير عالمية جديدة. وبالنسبة إلى عدد كبير من قادة الأعمال، فإنّ الفساد قد فُرض على مؤسساتهم من قبل سياسيين يفتقرون إلى الضمير. غير أنّ للفساد جانبين، أحدهما للعرض والآخر للطلب. ولا يمكن للسوق أن يكتمل إلا بوجودهما معاً، مع العلم أنّ الأعمال تقف لجهة العرض. وكلّ قرار للانخراط في الفساد يعزّز الممارسات المدمرة، فيما أنّ كل قرار لمقاومة الفساد هو جهد مبذول في سبيل إرساء معايير جديدة للشركات العالمية. وفي هذا الإطار، يذكر أنّ العديد من قادة الأعمال قد اتخذ قراره بتكريس مؤسساته لمكافحة الفساد. وهذا القرار ليس بالأمر السّهل، ويتطلّب تنفيذه إستراتيجية معدّة بحذر، ومع ذلك فقد رأى فيه الكثيرون منهم استثماراً للمستقبل. فالفساد يسلب الشركة أصولها التنافسية مثال جودة منتجاتها وفعالية الخدمات التي تقدّمها للعملاء وسمعتها كما يستبدل هذه الموارد بالرشوة. ومن هذا المنطلق، يكون الكفاح من أجل تحويل محاربة الفساد إلى قيمة أعمال عالمية كفاحاً في سبيل حماية أصول الشركة المعنية ومستقبلها. والفساد هو مجرّد مثل من بين أمثلة عديدة على المعايير الجديدة التي يؤسس لها قادة الشركات العالمية. وما حقوق الإنسان وحماية البيئة والمساواة في مكان العمل سوى جزء ضمني من قرارات المسؤولين التنفيذيين اليوم. وصحيحٌ أنّ عدداً متزايداً من القادة العالميين يقرّ بهذا الواقع ويتقبل المسؤولية التي تنشأ عن هذا الإقرار – إلا أنّ الطريق أمامهم لا تزال طويلة. * (غريغوري أونرو هو أستاذ في الأعمال الدولية لدى كلية ثندربيرد للإدارة العالمية (Thunderbird School of Global Management) ومدير مركز لنكولن للأخلاقيات في الإدارة العالمية (Linclon Center for Ethics in Global Management). تعاون مع أنجيل كابريرا على تأليف الكتاب المرتقب صدوره بعنوان: «التصرف على مستوى عالمي: كيف نفكّر ونعمل ونقود في عالمٍ متغيّر» (Being Global: How to Think, Act and Lead in a Transformed World).