يقول د. ماهلر مدير عام منظمة الصحة العالمية الأسبق «المجتمع الذي لا يشارك بعضه أو بعض أفراده في شؤونه الصحية، ويباشرون مسؤولياتهم فيه، مجتمع لا يمكن أن يحظى برعاية صحية جيدة مهما كانت الإمكانات المتوفرة له». كما يقول في نفس السياق «سوف تتحسن الصحة فقط إذا شارك الناس أنفسهم في التخطيط والتنفيذ، وكان لهم رأي حيال الرعاية الصحية المقدمة لهم، ولكن هذه المشاركة لا تحدث اعتباطا، يجب أن نسأل أنفسنا إلى أي مدى نحن جادون في إشراك الأفراد والأسر والمجتمعات؟ هل نحن مستعدون للإصغاء إلى همومهم وأن نتعلم منهم ما يعتقدون أنه مهم وأن نتبادل معهم المعلومات ونشجعهم ونساعدهم؟». هذا المفهوم الذي قد يظن البعض أنه حديث جاء به الإسلام قبل نيف وأربعة عشر قرنا. يقول سبحانه وتعالى «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض». ويقول الرسول الكريم: (ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). من هذا المنطلق نتحدث عن أهمية مشاركة المجتمع أو بالأحرى بعض أفراده في تخطيط وتنفيذ ومتابعة وتقييم الرعاية الصحية في مجتمعهم. هناك نماذج دولية كثيرة في هذا الخصوص أقتصر فيها على ما شاهدته في فنلندا، وهي من أرقى دول العالم في الخدمات الصحية. الخدمات الصحية في فنلندا مسؤولية المجتمع المحلي (commune) والذي قد يكون قرية أو ضاحية في مدينة. يتراوح عدد سكان الكميون من 10 آلاف الى 100 ألف نسمة، ويشرف على الخدمات الصحية فيه بضعة أفراد منهم المعلم والتاجر والصانع والموظف، يعملون متطوعين يدا بيد مع الفريق الصحي. يتخذون جميع القرارات الخاصة بالخدمات الصحية في مجتمعهم تخطيطا وتنفيذا ومتابعة وتقييما، ولديهم ميزانية يتصرفون فيها. من حقهم أن يوظفوا، أو يدربوا، أو يضيفوا أسرة الى المستشفى القائم، أو يستحدثوا مركزا صحيا جديدا. يفعلون كل ذلك بدون الرجوع الى أى سلطة عليا. فقط أمامهم أهداف سبق أن وضعتها وزارة الصحة في العاصمة هلسنكي عليهم أن يحققوها. في نهاية العام يعرضون نتائجهم (مبنية على الإحصاءات الحيوية)، حيث تقارن بنتائج المجتمعات المحلية الأخرى. إن أحسنوا كوفئوا بمزيد من الدعم المالي، وإن أساؤوا حوسبوا. لست أدعو على الإطلاق الى تطبيق تجارب الآخرين في بلادنا بحذافيرها فلكل مجتمع خصوصياته، ولكني أدعو الى أن نفكر خارج الصندوق، وإلى أن نتعلم من تجارب الآخرين، وألا نقيد أنفسنا بمفاهيم مسبقة. ذلك أن الصحة ليست فقط غاية نسعى اليها وإنما هي أيضا وسيلة للرقي الاجتماعي والاقتصادي، فالإنسان الصحيح إنسان منتج. بقلم زهير أحمد السباعي