يزورنا كالمعتاد مندوب إحدى شركات الأدوية ..ولأن العيادة هادئة اليوم.. أدردش معه قليلا.. -ياسلام.. علاج جديد للاكتئاب. جميل.. يعمل بطريقة جديدة تماما.. حلو.. لكنه لم ينزل الأسواق بعد.. لماذا؟؟.. لأنه ليس مصرحا به في وزارة الصحة ولاحتى في الولاياتالمتحده من قبل منظمة الغذاء والدواء .. هو متوفر فقط في بعض دول أوروبا ومنذ أشهر قليلة (أي أننه لم يجرب بعد على عدد كاف من المرضى).. يريد المندوب العزيز ادخال الدواء مجهول الهوية لصيدلية المستشفى.. هو طبعا يحلم.. ولكنه قال شيئا استوقفني.. هذا الدواء يا دكتوره واعد جدا.. حتى أن بعض الأطباء في مستشفى "....." الخاص يصفونه للمرضى من الآن ويحضره المرضى من أوروبا بشحن بريدي.. .. سبحان الله.. لدينا في الصيدليات العشرات من أدوية الاكتئاب.. كلها متقارب جدا في المفعول (كما تقول الكتب) ولا تختلف إلا في بعض الأعراض الجانبية.. فلماذا يكتب الأطباء للمرضى دواء مجهولا.. ويكلفونهم شحنه من أوروبا وهو حتى غير مصرح من الوزارة.. أم أن الشركة قامت "بتدليع" هؤلاء إلى أقصى حد ما بين رحلات لهم ولأسرهم لحضور مؤتمرات عالميه والتفرج على الدنيا.. ورفاهية السكن في فنادق الخمس نجوم حتى لا يبقى للأطباء- من باب رد الجميل- إلا اقناع مرضاهم بالعلاج مهما يكن.. لم أكتب هذه الكلمات .. ليزداد الناس حنقا على الطب والأطباء.. الذين "باعوا ذممهم".. لا ..بل أكتبها لزملائي في المهنه. . حديثي التخرج.. الذين لم تتلوث أيديهم بعد بالمصالح المتبادلة وسياسة "نفيد ونستفيد" التي يكون فيها المريض الخاسر الوحيد.. فالمنحدر زلق.. ويمكن لأي منا أن ينزلق. ويسقط أكثر فأكثر.. منذ أيام أتتني أم أثيوبية.. أبنها يتشنج كل يوم.. وعندما استجمعت قليل أموالها وذهبت به لعيادة خاصة.. كتب لها الطبيب هناك دواءً للتشنج سعره 400 ريال للعلبه.. وهو دواء ممتاز للحالات المستعصية التي لا تستجيب لأي علاج آخر .لكن لماذا لم يبدأ الطبيب بادوية التشنج القديمة المعتادة والتي لا يتجاوز ثمنها 20 ريالا وهي فعاله في أغلب الحالات.. لماذا اضطر الأم لأن تنقص الجرعة لأقل من النصف حتى تكفيها العلبه لأطول وقت.. فبقي ابنها يتشنج.. وهي لا تعلم أن هناك أدوية أخرى . ألم يجد طبيبها العزيز أحدا يرضي به مندوب الشركة إلا هذه المسكينة؟ * معيدة بقسم الطب النفسي.