لا ينكر أحد ما للإعلام من دور فاعل في تشكيل المفاهيم وزيادة الوعي لدى المتلقي مما يجعله يسهم بشكل كبير في التغيير والإصلاح خصوصاً الإعلام المرئي الذي يعد أقوى أنواع الإعلام وأكثره تأثيراً في الوسط الجماهيري مما جعل ضيفنا في هذا اللقاء الدكتور عاطف عبدالرشيد الخبير الإعلامي يسهم في إنشاء عدد من الفضائيات ويتولى إدارتها في وقت واحد، فأنشأ مع عدد من رجال الإعلام قناة الناس والبركة والخليجية والحافظ والصحة والجمال وكانت الدعوة إلى الله بصحيح الدين والمعتقد هاجسه الأول من إنشاء هذه القنوات، حيث أراد تقديم إعلام هادف ضمن الضوابط الشرعية وبمنهجية الإسلام الوسطي المعتدل. وقد أنشئت هذه القنوات برأسمال مستقل وبمهارة الخبرة الإعلامية استطاع عبدالرشيد الرقي بهذه القنوات والتطوير في الأداء المهني والبرامجية الإعلامية التي وصلت أصقاع الدنيا عبر رسالة إعلامية إسلامية معتدلة، فكان لهذه القنوات السبق في مجال الإعلام الفضائي الإسلامي. وفي الأيام القليلة الماضية تعرضت هذه القنوات وقنوات أخرى لوقف البث من قبل القمر الصناعي (نايل سات) بحجة أنها تخالف شروط عقود البث، حيث إن أرسلت الإدارة في نايل سات خطاب تحذير لقناة الناس لوقف برامج مخالفة ولأن قناة الخليجية والحافظ والصحة والجمال جميعها تعمل مع قناة الناس تحت مظلة «شركة البراهين العالمية» الحاصلة على تراخيص التشغيل لهذه القنوات من هيئة الاستثمار المصرية فشملها الإيقاف دفعة واحدة مع قناة الناس بسبب برامج الأخيرة التي تدّعي «نايل سات» أنها مخالفة لقواعد البث من خلال بث برامج تثير الفتنة والطائفية وبث إعلانات عن العلاج بالأعشاب غير مصرّح لها من وزارة الصحة المصرية وغير ذلك من الأسباب، حيث تقوم القناة بتوفيق أوضاعها مع «نايل سات» لإعادة البث بشروط جديدة وأكثر حزماً وانضباطاً. وفي أثناء كتابة هذه المقدمة اتصلت على الدكتور عاطف عبدالرشيد لمعرفة المستجدات في أمر قناة الحافظ وبقية القنوات الموقوفة فقال: (لا أستطيع الحديث في هذا الموضوع للمصلحة العامة)، بينما أكد أن قناة الحافظ والصحة والجمال ستعودان قريباً للبث إن شاء الله وكذلك بقية القنوات.. والآن أدعو القارئ الكريم إلى متابعة هذا الحوار الذي تم تسجيله قبل قرار وقف البث. فكرة وهدف * بداية نرجو أن تحدثنا عن فكرة إنشاء قناة فضائية؟ وما الأهداف التي تسعون لتحقيقها؟ - حقيقة لا أحد ينكر ما للإعلام من دور فاعل في توجيه الأمة وصنع مجدها وترسيخ عقيدتها ومبادئها، وقد شهدت الفترة الزمنية الأخيرة تطوراً هائلاً في صناعة الإعلام والتقنية مما أدى إلى ازدحام السماء بالقنوات التي تحرص على نشر الفساد والرذيلة وتمييع الدين.. وعندما وجدنا هذا الزخم من الفضائيات وليس بينها فضائية واحدة تقوم بواجب نشر صحيح الدين وسلامة المعتقد والذب عن الثوابت، جاءت فكرة إنشاء قناة الناس من رجل الإعلام الأستاذ الدكتور منصور كدسة رئيس قسم الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة في ذلك الوقت وعضو مجلس الشورى السعودي. وكانت الأهداف صغيرة ولكن رب العالمين بارك فيها وأصبحت للقناة قبول عند الناس، وفتحت أبوابها لعلماء أهل السنّة والجماعة المعتدلين والمشهود لهم بالوسطية وحققت القناة نجاحاً منقطع النظير في جذب المشاهدين من أنحاء المعمورة، وقد أنشئت شركة البراهين العالمية التي يمتلكها الدكتور كدسة التابعة لها قناة الناس ثلاث قنوات هي «الخليجية» وبدأت غنائية ثم تحولت إلى قناة دينية بعد نصائح كثير من العلماء والمشايخ لإدارة الشركة، وأيضاً حققت نجاحاً كبيراً في مجال الدعوة إلى الله، ثم أنشأت الشركة قناة «الحافظ» و«الصحة والجمال». ثم بيعت هذه القنوات لأشخاص آخرين وأصبح لكل قناة إدارة خاصة تسيّر أمورها، ففكرت في إنشاء قناة «الحافظ» وقناة «الصحة والجمال»، وأنا الآن أقوم بإدارتهما والإشراف عليهما. لا تعاون ولا تنسيق ü هل يوجد تعاون بينكم وبين القنوات الفضائية الإسلامية الأخرى؟ - لا يوجد أي تعاون بيننا وبين القنوات الأخرى لأنها ما زالت في مرحلة البداية والتشابه في العمل والتقليد يقلل من فرص النجاح، فهناك تنافس يعوق التعاون حالياً.. تجربة ممتازة * ما تقييمك للقنوات الفضائية وماذا قدمت للأمة في الفترة الوجيزة الأخيرة؟ - هي تجربة جيدة ونستطيع أن نقول «ممتازة»؛ لأنها حركت الماء الراكد وجذبت الانتباه تجاه الثقافة الدينية للعوام، وأسهمت في وعي عام لجموع المسلمين في العالم العربي لم يكن موجوداً من قَبل، ووجد الناس مكاناً يسألون فيه عن الحلال والحرام وكان هذا من قبل يتم بصعوبة بالغة بالنسبة للقُرى والنجوع وقد يكون هنالك نقص في الوعي الشرعي بالنسبة لمن يسألونه في القرية. والآن هنالك وعي موحّد بين القرى حتى القرى في مصر واليمن والمغرب وتونس... إلخ. كله يستقي معرفته من القنوات الفضائية بشكل رئيس. الفضائيات وخلط المناهج * هنالك خلط موجود في الفضائيات؛ فقد يخرج شيخ يمثِّل تياراً معيناً كالصوفية، ويأتي آخر يمثِّل تياراً آخر، فكيف تحافظون على المنهج في زمن تاهت فيه المناهج؟ - الفضائيات كالسوق.. البضاعة فيه كلها ظاهرة ولا يصح إلا الصحيح، والعملة الجيدة تطرد العملة الرديئة، والمعلومة الصحيحة ستطرد المعلومة الخاطئة، والعالم الجيد سيقضي على الضعيف. وفي النهاية ستجد ثقافة إسلامية منضبطة والثمرة في النهاية لصالح المشاهد ولصالح الدين. خلاف الرأي وحدوث البلبلة *قد يكون هذا عيباً في الفضائيات يا دكتور.. ويسبب بلبلة بسبب اختلاف المشايخ في المسألة الواحدة؟ - هذا الكلام يكرره البعض وتعارض الآراء جزء من ديننا، وهذا طبيعي يدل على عظمة الإسلام، فبعض الأمور الفقهية التي هي مجال الفتوى وجه من وجوه الإسلام الحقيقية الذي تعكسه القنوات الفضائية، والمشاهد ينطبق عليه المبدأ الشرعي: «استفت قلبك»، فلو وجدت رأياً مخالفاً لرأي آخر ك«حكم الاختلاط» مثلاً.. البلبلة والدفاع عن الفضائيات * يا دكتور أنا أكلمك بعين المراقب والمشاهد لهذه الفضائيات، وأرى أن هذا الاختلاف يُحدث بلبلة بين الناس؟ - إذن فلتكن هناك دراسة علمية منكم ومن وسط الشارع تثبت أن هذا يحدث بلبلة حتى يكون الكلام علمياً، كما أنني لا أدافع عن الفضائيات، فلست مسؤولاً عن كل هذه القنوات وهي حوالي خمسين أو ستين قناة فضائية تقدم إعلاماً دينياً.. ووجود أشواك في الورود لا يجعلنا نتخلص منها، بل نحاول الوصول للأفضل. سقوط الفضائيات الإسلامية والانفعال العاطفي * ما تفسيرك لتعثر بعض الفضائيات أحياناً وعندما تنهض تقع مرة أخرى.. هل لسوء الإدارة؟ أم لعدم الدعم؟ - هذا يرجع لعدة أسباب؛ لأن بعض الناس يؤسس قناة لوجود انفعال عاطفي إسلامي لديه، ولتولي بعض الأشخاص الذين لا يملكون الخبرة للأمر، فإذا نزلوا إلى أرض الواقع تنتهي الميزانية بعد ثلاثة أو أربعة أشهر، ولا يجدون ما يغطي هذه المنصرفات ويبدؤون الانسحاب، ومعظم القنوات التي أغلقت إما بسبب أزمة مالية أو لعدم مراعاة للضوابط السياسية والأمنية. لا تضييق * هل هنالك تضييق على القنوات الإسلامية؟ - لا، بل لديها الحرية إن أرادت أن تعمل بشكل صحيح. ولا أرى أن هنالك تضييقاً، لكن هنالك ضوابط تحكم المجتمع ككل يجب أن يراعيها المسؤول عن القناة وأن يكون ذكياً، فالإعلام له تأثير ولا يمكن أن أعارض الحكومات الإسلامية، نحن في مرحلة تحتاج للتعاون. القنوات والتبرعات * هل هذه القنوات تعيش الآن على الاستجداء والاستعطاف وجلب الأموال من خلال التبرعات؟ وهل هذا الأمر سيكون دافعاً لاستمرارية هذه القنوات؟ - القنوات التي توقفت كان توقفها لأسباب مالية ولا يعتمد الكل على التبرعات، لأنه سيكون نوعاً من الفشل المبكر إلا إذا كان المؤسس لهذه القناة جمعية خيرية كبرى لديها ميزانيتها الاقتصادية، ولكني أرفض أن يتعثر البعض ثم يطالب بتبرعات لاستمرارية القناة. القناة والموارد * ما الموارد الأساسية لإقامة قناة واستمراريتها؟ - بداية؛ الإعلانات، ثم رعاية البرامج، ثم الاتصالات التيلفونية، ثم الرسائل القصيرة التي تبث على القناة. القنوات والمخالفات الشرعية * بالنسبة للاتصال على القنوات الفضائية، يقال إنها تمثِّل شبهة كبيرة في الدين، فهل أخذتم رأي العلماء في هذا الجانب بالنسبة للاتصال على «900» وعلى «700»؟ - نعم، أخذنا رأي العلماء؛ لأن هنالك بعض المسابقات ربما فيها شبهة القمار.