جريمة القتل، التي كادت تطيح برأس "بندر اليحيي" ، بدأت بدين قديم لصديق مقرّب. بعد أن جاهد ليجمع المال، دعا السيد "يحيي" الصديق لمنزله، وعرض عليه بندقية كثمن. ولكن، عندما رفض الصديق، غضب السيد "يحيي"، وأطلق الرصاص على صدره، فتركه قتيلا على أريكة غرفة المعيشة، وفقا لما قاله ،فالح الحميداني، أخو القتيل. اعترف "اليحيي" بالجريمة، ولذلك، ووفقا للتفسير السعودي المتشدد للشريعة الاسلامية، فإنه سيواجه العقوبة التي أساءت لسمعة القضاء السعودي حول العالم: قطع الرأس في ساحة عامة. الا أن الاعدام لم ينفذ أبدا .. النظام العدلي السعودي، منتقد بشكل اعتيادي من قبل منظمات حقوق الانسان، لانتهاكه الاجراءات القانونية، وانعدام الشفافية، ولايقاع عقوبات مثل قطع الرؤوس أو بتر الأطراف. وقد زادت حدة الانتقادات، عندما وصلت للخارج أنباء مثل: جلد مدون ليبرالي لانتقاده علماء الدين، سجن نشطاء أوصوا بالاصلاح، واحتجاز سيدة بدون توجيه تهمة لأكثر من شهرين لقيادتها السيارة. مثل هذه الأحكام، استدعت مقارنات ب"الدولة الاسلامية"، التي اعتادت قطع رأس خصومها، وهي أيضا تدّعي تطبيق الشريعة. الا أن حياة "اليحيي" تم انقاذها، لوجود مراجعات داخل النظام السعودي على فرض العقوبات القاسية. قضيته في مسارها، عرجت على أعوام من ملحمة "القانون والتقاليد". "اليحيي" تم اعادة تأهيله في السجن، مشايخ وأمراء ناشدوا الحفاظ على حياته، وفي النهاية، تم انقاذه من قبل ابنة الرجل الذي أطلق عليه الرصاص وقتله. العفو عن "اليحيي"، هو نتاج نظام عدلي قليلا ما يتم فهمه خارج المملكة، وهو ذلك النظام القائم على عقود من التقاليد الاسلامية، وهو النظام الذي يعطي الأولوية للاستقرار، وللالتزام التام بالأعراف الاسلامية أكثر من الحقوق والحريات الفردية. "بعد الله عز وجل، فإن العقوبات المذكورة في القرآن، هي ما يحفظ الأمن في هذا البلد. ولو لم يكن هناك عقوبة، فسيكون هناك فوضى كاملة." هذا ما قاله فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز ، أمير منطقة القصيم ، حيث جرت جريمة "اليحيي". "ولكن في صلب النظام أيضا، سبل الرحمة والرأفة"، كما قال.* بعض الجرائم وعقوباتها واضحة في النظام السعودي ، مثل الاعدام في جرائم القتل، وبتر الأطراف في جرائم السرقات الكبرى، والجلد في تهم الزنا أو شرب الكحوليات. والدولة السعودية أيضا لديها قوانين حديثة لجرائم مثل تجارة المخدرات والسلاح فضلا عن الجرائم الإلكترونية والإرهاب، والتي تقول جماعات حقوق الإنسان ، أن في كثير من الأحيان ، تستخدمها لمعاقبة المعارضين السلميين. ولكن العديد من الجرائم وعقوباتها ليست محددة بشكل واضح، وتلك تشمل سرقة السيارات من دون استخدام السلاح، محاولات السرقة الأخرى، الممارسات الجنسية التي لا تصل الى العلاقة الجنسية الكاملة، التحرش، والاحتيال، مما يعطي سلطة ذاتية لقضاة مدربين على تطبيق الشريعة، لتعريف وتحديد الجريمة وايقاع العقاب، دون الالتزام بسوابق قضائية. ويشكو المحامون السعوديون، من أن عدم وجود قانون جنائي محدد، يؤدي الى فوارق شاسعة بين الأحكام الصادرة لجرائم مماثلة. عبدالعزيز القاسم يقول، أنه رأى قضايا اغتصاب تم الحكم فيها بالسجن ما بين عامين الى ثمانية عشر عاما. "هذا تفاوت كبير،" كما قال*. ولكن، لا تستدعي جوانب القضاء السعودي الانتباه مثل ما تستدعيه عقوبات مثل قطع الرأس أو بتر الأطراف. الا أن الممارسون القانونيون السعوديون يقولون أن هذه العقوبات وجدت في الكتب لردع الجريمة، وأن النظام يحد من استخدامها. في التشريعات السعودية، جرائم الزنا والردة تستحق الموت، الا أنه يندر ما تتم عقوبة الاعدام في أي منهما لصعوبة الاطمئنان لثبوت الإدانة. فالزنا على سبيل المثال، يمكن اثباته بشهادة الشهود، ولكن لابد من أن يكون الشهود أربعة من الرجال شاهدوا الواقعة نفسها، وهو اثبات قد يستحيل الحصول عليه. وبينما يقول القرآن بوجوب قطع أيدي السارقين، فإن البتر نادرا ما يحكم به بسبب الشروط التي وضعت على الجريمة ، ولأن القضاة لا يستسيغونه، وذلك بحسب ما قاله أحمد الجهيمي، وهو محام ومدع عام سابق بالرياض. فعلى سبيل المثال تم تسجيل حالة بتر واحدة فقط عام 2014 في جريمة سرقة. وقد ذكر أحد القضاة في الرياض، قضية لأربعة من اللصوص اقتحموا غرفة المعيشة لأحد الأشخاص وقاموا بسرقة الأثاث والتلفاز والثلاجة، فاكتملت الشروط الموجبة لقطع اليد. الا أن القاضي سمح لهم بالاعتراف لتخفيف العقوبة، وحكم عليهم بالسجن عامين، و100 جلدة لكل منهما. "ليس الهدف ايقاع العقوبة ، انما الهدف تخويف الناس ،"* هكذا قال القاضي الذي لم يشأ ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتحدث الى وسائل الاعلام. ويقول المراقبون أن هذا الحذر المدفوع بالتحفظ الشديد، هو ما يؤدي الى فرض عقوبات قاسية على من يُنظر اليهم كتهديد للطابع الديني للدولة، مثل الليبراليين. ويعتقد الكثير من المحامين السعوديين، أن قضية المدون الليبرالي "رائف بدوي" ، والذي حكم عليه بالسجن لعشرة أعوام وألف جلدة، قد أقيمت لهجومه على المؤسسة الدينية، وهو عمل يُعتقد أنه أكثر زعزعة للاستقرار من الزنا أو القتل. وقال ستيفان لاكروا، وهو أستاذ مشارك في جامعة "بو للعلوم الاجتماعية" في باريس ودارس للمملكة العربية السعودية: "القضاة محافظون جدا، ولذلك يميلون لاستخدام سلطتهم الذاتية لاصدار أحكام محافظة جدا والتي قد تُحرج -أحيانا- الأسرة الحاكمة دوليا."* جريمة قتل "اليحيي" لصديقه مطلق الحميداني عام 2002، صدمت أهل القصيم، وهي مقاطعة من الكثبان الرملية والبلدات المنتشرة في وسط المملكة العربية السعودية، حيث الروابط القبلية الوثيقة، ومن يقيمون بها يفخرون بكونهم محافظون. كان الرجلان كثيرا ما يتزاوران، وكان للحميداني، وهو ضابط في الحرس الوطني، زوجة وستة من الأبناء، فقدوا عائلهم. كما كان الرجلان من قبيلتان بارزتان، مما زاد من التخوف من القتل للثأر في حال شعر ذوو القتيل بأن العدالة لم تتم كما يجب. "لا لنا الا حكم الشرع،"* قال فالح الحميداني شقيق الضحية. وكان ذلك يعني قطع رأس اليحيي في ساحة عامة. وبما أن حياة "اليحيي" كانت في خطر، اتخذت قضيته مسارها داخل المحاكم المقامة للعقوبات المشددة، فأدانته هيئة تحكيم من ثلاثة قضاة بتهمة القتل، مما عجّل بالاستئناف عند هيئة من خمسة قضاة، فأثبتوا الحكم، ثم تم تمرير القضية الى خمسة قضاة في المحكمة العليا. ولو كان أغلب القضاة - في أي مرحلة من المراحل - قد شكوا في أنه مذنب، لعُلقت عقوبة الاعدام. الا أن أحدهم لم يشك، فلذلك تم تحويل القضية الى الديوان الملكي لمراجعة نهائية على الحكم قبل أن يقوم الملك بالتوقيع على حكم الاعدام. حكم على "اليحيي" بالموت كعقوبة، مما يعني أن ورثة الضحية وحدهم من يستطيعون العفو عنه. ولأن على كل فرد من الورثة أن يوافق، تم اعفاؤه من التنفيذ الفوري، حيث أن أصغر أبناء الضحية كان في الثالثة من عمره، وهو أصغر بأعوام من السن القانوني الذي يؤهل لأخذ الموافقة القانونية منه، وهو الخمسة عشر عاما. ولذلك، تم ايداع "اليحيي" في السجن حتى يكبر الصبي فيوافق على قطع رأس قاتل أبيه. الكثير من المسلمين يؤمنون بأن انقاذ النفس، حتى ولو كانت نفس قاتل، جزاؤه الثواب العظيم في الجنة، ففتح احتمال العفو من ورثة الضحايا مجالا من النشاط الهادف الى ايقاف الاعدامات. بعد ادانة اليحيي، أطلقت أسرته حملة، نيابة عنه، وأصبح هو قائدا دينيا في السجن، واكتسب احترام المشايخ الذين تولوا قضيته. وكُلف الشيخ راشد الشلاش بالكثير من المهام المتعلقة به، وهو شيخ متحدث، ذو عيون واسعة ، ويرأس لجنة في منطقة القصيم تقوم بحملات من أجل العفو. ومن خلال مقابلة، دافع الشيخ شلاش عن عقوبة قطع الرأس على "أسس انسانية واجتماعية" كما أسماها. فقال أنه بالنسبة للمدان، قطع الرأس يؤدي الى الموت أسرع من الحقنة المميتة أو الكرسي الكهربائي. وبدلا من الاعتذار عن فظاعتها، قال بأن "الجرح" هو المقصد لأنه يردع الجريمة. وتساءل الشيخ شلاش: "عندما ترى السيف يضرب رقبة شخص ما، ألا تمتعض؟ هناك من يريدون أن يرتكبوا جرائم قتل فيتوقفون عندما يرون ذلك."* ولكن لاسباب دينية، هو يسعى جاهدا لأخذ العفو عن طريق زيارة أهالي الضحايا وجمع الأموال لهؤلاء الذين وافقوا عليه. وبما أن العفو ممكن حتى تقع ضربة السيف، أحيانا تنتهي القصة في الساحات العامة بشكل درامي عال. لقد أعدمت المملكة العربية السعودية 88 شخصا في العام 2014، مقابل 35 في الولاياتالمتحدة. ثلاثون من الاعدامات في السعودية بحسب "هيومن راتس واتش" جاءت كأحكام عقابية عن جرائم القتل. ورغم أن الاحصائيات عن العفو غير متاحة للعامة، الا أن الشيخ شلاش ضمن ثلاثة عشر قضية من مجموع سبعة عشر استلمها في الأعوام الأخيرة ، نصفها بدون الحاجة للمال، الا أن في بعضها ، كما قال، استلمت الأسر مئات الألوف من الدولارات. وفي أحد هذه القضايا دُفع للورثة 1.3 مليون دولار. ومع اقتراب الابن الأصغر للقتيل من البلوغ، انتشر الحديث حول قضية "اليحيي"، وناشد المشايخ البارزون من الورثة الرحمة. كما قام أبناء الأسرة الحاكمة بزيارات ، وأرسلوا مندوبين عنهم، وعرض كبار رجالات القبائل القوية الشيكات المفتوحة، وذلك وفقا لشقيق الضحية "الحميداني". رده أبدا لم يتغير: "لو توقف الأمر على المال، فسيموت الرجل."* ولكن، ولأن أي فرد من الورثة يمكنه منح العفو، تحقق الشيخ شلاش من التسعة جميعهم، حتى رأى بادرة تعاطف من ابنة الضحية نورة. طلب الشيخ شلاش من مديرة المدرسة الثانوية أن يسمع من طالبتها نورة، وتم ترتيب محادثة تليفونية. بعدها قامت نورة بالتوقيع على عفو رسمي، وهي في السابعة عشر من عمرها. لم يعلم أفراد أسرتها بشئ، وصدموا عندما اكتشفوا الأمر كما قال "الحميداني"، لكنهم تقبلوا أنه حقها. "ما الذي سيستفيده والدي لو قتلوه؟ بإذن الله أن والدي سيجزى ويدخل الجنة"، هكذا قالت* نورة له. كان الشيخ شلاش قلقا، رغم العفو، من مساعي أسرة القتيل للانتقام اذا أطلق سراح "اليحيي"، لذلك دفعت اللجنة 800,000 دولارا للأسرة، و130,00 دولارا اضافية لنورة بسبب عملها الصالح. نورة الآن في العام الثاني من الجامعة، ورفضت أسرتها اجراء مقابلة معها. ورفض "اليحيي" الذي خرج من السجن عام 2011 وعمره 33 عاما التعليق أيضا. وقد تزوج مؤخرا وحصل على درجة في القانون. في غرفة المعيشة في منزل الشيخ شلاش، يوجد على طاولة القهوة سيف مزخرف بالفضة والذهب، مع لوحة تشكره على "عتق رقبة الشاب، بندر آل يحيى". ولا يزال الرجلان يتواصلان.. ترجمة خاصة ب "أنباؤكم" * يتعذر التحقق من نص القول لظروف الترجمة المصدر: https://www.google.com.sa/url?sa=t&r...5e4dijmVT2T-Ng