نقلا عن شبكة الاسلام اليوم فق انّتقد المشرف العام على المؤسسة فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ما أسماه ب "حالة الاصطفاف" التي تظهر في المجتمع عند تناول أي قضية، ينقسم الناس على إثرها إلى فريقين كما حصل مع عضو هيئة كبار العلماء السابق الشيخ سعد بن ناصر الشثري. مؤكدًا أننا في حاجة إلى عشرات الجامعات التي تدربنا على الحوار الموضوعي بحيث لا يتحول الحوار إلى تبادل تهم خاصة أن من يتحدث في الأمر هم مجموعة من المثقفين. من يغير منكر التخلف؟! وقال الشيخ سلمان العودة في حلقة اليوم من برنامج "الحياة كلمة" وردًا على سؤال يتعلق بحالة التحزب والتشدد في التعامل مع هذا الحدث: إنَّنا نحتاج في مجتمعنا السعودي وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي كثيرًا ما تتحدث عن التخلف، ونقصد منها أنماطًا منها التخلف العلمي والمعرفي الذي هو محل إجماع من المحللين؛ أن هذا الوصف الذي توصف به المجتمعات الإسلامية، وهذا ما نستطيع أن نوصفه شرعًا بأنَّه إثم ومعصية وذنب، ولذلك نحن نحتاج إلى عشرات الجامعات التي مهمتها الاحتساب على هذا التخلف ورفع مستوى الأمة في العلم وفي المعرفة والتقنية، وإيجاد بيئة قادرة على الإنتاج والاستيعاب وقادرة على النهوض و مواكبة الآخرين. مؤكدًا أنَّه يجب علينا أن نُدخل هذه القضية ضمن اهتماماتنا الأساسية وضمن مقاصدنا الشرعية وضمن حاجاتنا الثقافية، وعدم التعامل معها على أنها قضية تطرح بالمناسبة أو قضية تقال كمقدمة أو كفذلكة كما يقال. وأوضح فضيلته أن هذه قضية جوهرية ولب، فنحن عبر قرون نعيش حالة من التخلف نحتاج إلى رفعها ولذلك فإن من الصدق أن نرحب بكل بادرة تحقق هذا المستوى أو تسعى إليه بشكل من الأشكال. وأشار الشيخ سلمان إلى أننا بحاجة بنفس القدر إلى عشرات الجامعات التي تدربنا على الحوار الموضوعي بحيث لا يتحول الحوار إلى تبادل التهم، فهذا يتهم الآخر بالخيانة الوطنية لمجرد أنه عبر عن رأي، والآخر يتهم خصمه بالمروق، خاصة أننا نتكلم عن مثقفين وأناس على مستوى راقٍ، فإن لم يُفلحوا هم في أنْ يعبروا بأسلوب راقٍ فإن "هذه مصيبة كبيرة"، وهذا يؤكد أننا "ما زلنا بعيدين عن التقدم والنهضة بقدر بعدنا عن هذه المستوى من الرقي، وبقدر وقوعنا في أسر الأنانية الشخصية أو الشللية أو الحزبية التي يعيشها الإنسان منا". وتساءل الشيخ العودة: كيف تريد مني أن أقبل أن إجابة عابرة من شيخ جليل لسؤال مفاجئ، بأن الأمر "هو عبارة عن حملة منظمة ومدروسة" بينما تريد مني أن أصدّق بأن عشرات المقالات التي كتبت في وقت واحد وبالتزامن هي عبارة عن فعل عفوي غير منظم وغير مدروس. وأضاف د. العودة: إننا نحتاج أيضًا إلى جامعات تعلمنا حرية الرأي وحدودها؛ بحيث لا أقبل أن أدافع عن حرية الرأي حينما يكون في مصلحتي من أجل تسويق رأي، أو إيجاد سبيل للتعبير عن هذا الرأي، لكن إذا كانت حرية الرأي تخص الآخرين فأنا حينئذ أكون ضدها. أعتقد أن هذا ليس أمرًا سائغًا وليس جيدًا. مهمة الجامعات وتطمين الناس وأوضح الشيخ سلمان أن أي مؤسسة تقام سواء أكانت أكاديمية أو علمية، أو في أي تخصص فإن أولى مهامها هو تطوير المجتمع وأن يكون لديها القدرة على نقل المجتمع، وليس استنبات شيء والمجتمع شيء آخر، وهذا النقل أهم شروطه وجود ثقة متبادلة بين المجتمع وهذه الجامعة. وأكد أن المجتمعات بطبيعتها دائما تحتاج إلى قدر من التطمين، لأنه يوجد في نفوس الناس تساؤلات من حقهم أن يطرحوها، ولا يستطيع أحد أن يصادرها، لكن يستطيع المسئول في الجامعة أن يعطيهم ثقة بأن هذه المؤسسة الجديدة إنما تستهدف النهوض بهم والرقي وتعزيز القيم والمبادئ والأسس التي قام عليها هذا المجتمع، وما لم توجد هذه التطمينات ربما لا تفلح أي مؤسسة في تحقيق هدفها. مشيرًا إلى وجود بعض الرسائل السلبية على الإنترنت أو في بعض القنوات الفضائية ربما تحتاج إلى تجلية أو إيضاح والأمر لا يتطلب أكثر من مواكبة لمثل هذه الأشياء ووصول إلى مستويات الناس وعقولهم فيها. خصوصية وحماية وحول قضية الاختلاط في الجامعات أكّد فضيلته أن مسألة أن يكون الاختلاط مقننًا أو مبرمجًا ومنظمًا في الجامعات أو في المدارس هو مما حمى الله به بلاد الحرمين، وما زالت كثير من البلاد تعاني ما تعاني بسبب فرض هذا الاختلاط كقانون لا يمكن أن يكون إلا في التعليم مثلاً. موضحًا أن هناك فرقًا بين هذه الصيغة التي لا تساعد على نجاح التعليم وبين ما يقع بطريقة عفوية مثل ما يقع في المستشفيات أو في الأسواق أو في بعض المؤسسات أو حتى حول الكعبة المشرفة- كما قال بعضهم في حديثه-. مشدداً على أنه ينبغي أن نفرق بين الصيغتين: صيغ الحياة العفوية؛ وبين أشياء مبرمجة ومفروضة على الآخرين. اصطفاف مؤلم وتابع الشيخ العودة: لقد وجدت خلال هذه الحملة وتداعياتها أنه أصبح كأن هناك إلحاح أن كل أحد ينبغي أن يدخل في القضية, إما في هذا الصف أو ذاك، وهذا الاصطفاف مؤلم يبعد بنا كثيرًا عن معالجة القضايا بموضوعية واتزان وحكمة، وقد يترتب عليه أن يقع نوع من الحيف أو الجور على بعض الأطراف بدون أن يكون هناك مسوغ أو مبرر كاف. ولفت الشيخ العودة أنه استمع إلى كلام الشيخ الشثري، وقال: لقد وجدت الشيخ سعد الشثري -حفظه الله- أشاد بالجامعة إشادة كبيرة، وهذا ربما لم نجده في إشارات من كتبوا عن الموضوع، فقد انتقدوا جانبًا وتناسوا جانبًا مهمًّا هو وضعه مقدمة في حديثه وأطال فيه. وأضاف د. العودة قائلاً: أنا أتألم لهذا الاصطفاف الذي يحدث في مجتمعنا عند كل قضية، وهل سنستمر إلى الأبد هكذا.. فقط مجموعات فيما بينها؟ وكأن لغتنا أحيانا "أنا أهاجم إذن أنا موجود"؟! ألا يمكن أن نرتقي بأنفسنا أكثر من ذلك قليلاً ونتحاور ونتجادل بموضوعية حتى في مؤسساتنا التي بذلنا فيها الأموال الضخمة؟! ولفت الشيخ العودة إلى أن "حجر الزاوية" قد خصص حلقة من حلقاته عن التعلم في رمضان قبل الماضي، وقال قد قرأت كثيرًا مما كُتب حول هذه الجامعة فوجدت في أوربا والأردن ومصر كثيرين قد كتبوا، وكثيرين أشادوا بفكرة الجامعة، وكثيرين أيضًا دعوا إلى تلافي بعض الأشياء وتصحيح بعض الأمور، والتأكد من صوابية بعض الوسائل وتحقيق الأهداف. مؤكدًا أن هذا شيء طبيعي وأنه سر من أسرار النجاح. كما انتقد الشيخ العودة ما اسماه ب"نظام الفزعات" موضحًا أنه ليس من الضروري أن نقحم كل شخص في كل قضية، وكأننا نريد من كل إنسان له وجود أن ينغمس في كل مشكلة من مشاكلنا ولا بد لكل شخص أن يبصم، حسب نظام الفزعات ذات اليمين أو ذات الشمال ونفى الشيخ في ختام الحديث غياب صوت الاعتدال وقال إن الاعتدال موجود لكن غلب على الناس الأصوات المتضادة. مؤكدا أن من الدعاة والعلماء من جعل ديدنه تأليف القلوب على الخير، أو الإيمان، أو العلم، أو جعل مهمته السعي إلى حفظ التوازن داخل المجتمع, وضبط العلاقة بين مكوناته المختلفة، الفكرية أو المناطقية أو الاجتماعية؛ لئلا تنتهي الأمور إلى توتر أو صدام أو قطيعة, وهذا مقصد عظيم وهدف نبيل، وهو جزء أساس في مهمة الإصلاح, وفي عمل الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومثل هؤلاء يجب أن تطيب نفوسنا ألا ينغمسوا دومًا في المشكلات والمعارك, التي من شأنها أن تحدث شرخًا أو اصطفافًا- ولو مؤقتًا -وتوترًا بين الأطراف وجدلاً واسعًا ينتهي اليوم أو غدًا، بينما تتجه الأمور إلى طريق آخر قد لا يؤثر فيه هذا الجدل.