يحاول اختصاصيون وخبراء تبديد المخاوف من المخاطر التي تسببها أبراج الضغط العالي، الخاصة بالكهرباء والجوال.. ويطمئن الخبراء الذين التقتهم «الشرق» بأنه لاخوف نهائياً من السكن قريباً من هذه الأبراج، لأن الاحتياطات الآمنة التي تتخذها المملكة في هذا السياق في نطاق مطمئن. الدراسات الطبية --------------------- في البداية أوضح ل «الشرق» استشاري جراحة مخ وأعصاب في مجمع الدمام الطبي نبيل النغموش: أنه إلى الآن لا يمكن الجزم بوجود علاقة مباشرة بين حدوث سرطان المخ، وخطوط الضغط العالي وأبراج الاتصالات. وبيَّن النغموش أن خطوط الضغط العالي تولد نوعين من الطاقة؛ طاقة كهربائية وطاقة مغناطيسية، وكل ما كان الإنسان قريباً من هذه الخطوط كل ما تعرَّض لهذه الطاقة. وكان هناك سؤال دائماً يناقش في المجتمعات الغربية عن قدرة هذه الطاقة الناتجة على زيادة نسبة سرطان الدم والدماغ خصوصاً لدى الأطفال، ونتيجة لهذه الأسئلة قامت هناك دراسات عدة، ومنها عمل دراسة مسحية في بريطانيا عام 2005 لمعرفة نسبة حدوث سرطان الدم لدى الأطفال الذين يسكنون بقرب من هذه الخطوط، مقارنة بمن يسكن بعيداً عنها، ووجدت أن الأطفال الذين يسكنون 200 متر قرب هذه الخطوط معرضون للإصابة بمرض سرطان الدم بنسبة 70 %، بينما الأطفال الذين يسكنون بين 200-600 متر عن هذه الخطوط هم معرضون بنسبة 20 %. دراسة حديثة ------------------- وأضاف: هناك كثير من العلماء قاموا بتفنيد هذه الدراسة مما أدى إلى عمل دراسات أخرى، وآخرها من قبل جامعة اكسفور ببريطانيا في 2014 وأثبتت عدم وجود ارتفاع في نسبة حدوث سرطان الدم عند السكن بقرب خطوط الضغط العالي. وأبان الباحث أن هناك دراسة أخرى عملت في الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1996م للنظر في نسبة حدوث أورام المخ لدى الأطفال نتيجة لهذه الخطوط وقامت بدراسة نسبة تعرض الأطفال لهذه الطاقة ولم ترَ زيادة في نسبة حدوث أورام المخ. المسافة ---------- وأشار النغموش إلى أن معظم هذه الدراسات كانت تعتمد على المسافة من هذه الخطوط، وليس على قياس حقيقي لنسبة التعرض للطاقة الناتجة، ونتيجة لذلك كانت تفند بشكلٍ أو بآخر من قبل العلماء، ويوصون بدراسة فعلية، ومحكمة لمعرفة هل هناك صلة حقيقية بين خطوط الضغط العالي وسرطان المخ أو الدم لدى الأطفال. أبراج الاتصالات ---------------- أما فيما يخص أبراج الاتصالات فأوضح النغموش أن هذه الأبراج تقوم بالعمل على الاتصال بينها، وبين الجوال من خلال موجات الراديو التي تقع بين موجات أف أم FM، وبين موجات الميكروويف، وهذه الموجات تقنياً غير قادرةٍ على إحداث تغيير في الجينات. مبيناً أن دراسة كذلك عملت في بريطانيا قامت بمقارنة 1000 عائلة بأطفال تعيش بقرب هذه الأبراج مع 1000 عائلة أخرى تعيش بعيداً عنها، ولم تجد هناك أي علاقةٍ. جينات الخلايا -------------------- أما فيما يخص بتأثر موجات هذه الأبراج على تغيير جينات الخلايا، يوضح أن الدراسات التي أجريت بالمختبرات للنظر في إمكانية عمل تغيير في جينات الخلايا من قبل هذه الموجات توصلت إلى أن الطاقة الناتجة من هذه الموجات غير قادرةٍ على إحداث تغيير أو طفرة في جينات الخلايا. أسباب الإصابة ------------------- ويبيِّن النغموش أن مسببات الإصابة بأورام المخ عديدة، ومنها جزء كبير غير معروف علمياً في الوقت الحالي، ومنها: أخذ أدوية معيَّنة خصوصاً في فترة الحمل يمكن أن تؤدي إلى حدوث سرطان المخ لاحقاً، مثال على ذلك بعض أنواع الأدوية النفسية أو أدوية علاج الصرع، والتعرض للمبيدات الحشرية، ومركبات – نيتروز وخصوصًا خلال الحمل، والتعرض للطاقة الإشعاعية، ومركبات كلوريد الفينيل المستخدم في الصناعات البلاستيكية، وأدوية علاج السرطان (العلاج الدوائي)، ومتلازمة نقص المناعة المكتسبة HIV، وأمراض جينية نتيجة لمتلازمات أو أمراض وراثية، والتدخين. أبراج الطاقة -------------- ويُعرِّف المهندس عامر وسمي الشمري هندسة كهربائية، وموظف في الشركة السعودية للكهرباء قطاع هندسة ومشاريع الجهد الفائق، أبراج الضغط العالي بأنها أبراج تحمل الطاقة الكهربائية عبر الموصلات؛ لتوصيلها إلى محطات نقل وتوزيع الطاقة الكهربائية على المشتركين ويكون التيار الكهربائي عادة متردداً. ويضيف: إن أبراج نقل الطاقة، تختلف من حيث الجهد، وعلى سبيل المثال أبراج الجهد العالي تحمل جهد 132 كيلو فولتاً (يعني 132 ألف فولت)، وأبراج الجهد الفائق وهو الأعلى في السعودية تحمل جهد 380 كيلو فولت (يعني 380 ألف فولت) وقد تكون 230 كيلو فولتاً (يعني 230 ألف فولت) كما هو مطبق بالمنطقة الشرقية. حرم الأبراج --------------- أما عن شروط البناء بجوار هذه الأبراج، فيقول الشمري إن شركة الكهرباء السعودية لديها مواصفات لبناء الأبراج؛ فعلى سبيل المثال أبراج الجهد الفائق يكون الحرم بعرض 50 متراً أي 25 متراً من جهة، و25 من الجهة الأخرى، وتكون في بعض الحالات يصل الحرم من جهة 44 متراً، أما بخصوص بناء المباني فلا يوجد قيود معينة، ولكن البلدية والأمانة هي التي تقرر حدود المباني والمخططات السكنية، ويكون ذلك بالتنسيق والتخطيط مع الشركة السعودية للكهرباء لمعرفة أماكن أبراج الضغط العالي لتفادي الاقتراب منها. المسافة الآمنة ------------------ ويبيِّن أن أغلب الحديث يكون حول المسافة الآمنة لصحة الإنسان؛ لأن موصلات أبراج الضغط العالي تصدر موجات مغناطيسية؛ قد تأثر على صحة الإنسان على المدى البعيد، وأغلب الدراسات لا تثبت إثباتاً قطعياً أن الاقتراب بمسافة معينة يشير إلى ضررٍ صحي على الإنسان، ولكن تُؤخذ بالاعتبار حسابات شدة المجال المغناطيسي التي تصدر من موصلات أبراج الضغط العالي؛ بحيث تكون كلما اقترب الإنسان من هذه الأبراج يكون تأثيره بالمجال المغناطيسي أكبر، وكلما ابتعد يكون التأثير أقل، وحسب المواصفات؛ فإن الشركة تنزع الأراضي القريبة من أماكن الأبراج حماية للسكان وكذلك حماية للأبراج. أجهزة حماية ------------------ ويلفت الشمري إلى أن الانفجارات لا تحدث في الأبراج والموصلات الكهربائية، ولكن في الغالب تحدث في محطات نقل الطاقة؛ لأن الموصلات تحمل التيار الكهربي، وفي حالة حدوث حادث أو سقوط أحد الأبراج؛ فإن الدائرة الكهربائية تفصل تلقائياً من خلال أجهزة الحماية. قلق الأهالي -------------- أما الأستاذ الدكتور عبدالله محمد الشعلان أستاذ الهندسة الكهربائية – جامعة الملك سعود، فيوضح أن هاجس الخوف، والقلق، والتوتر، وعدم الراحة بدأ ينتاب كثيراً من الناس جراء الآثار الصحية الضارة التي يمكن أن تحدثها الأشعة الكهرومغناطيسية، المنبعثة من المعدات والأجهزة الكهربائية التي نستخدمها ونتعامل معها في حياتنا اليومية.وبيَّن أن هناك مصادر وأنواعاً كثيرة للإشعاعات الكهرومغناطيسية منها: المحطات الكهربائية، وخطوط نقل الطاقة الكهربائية، والهاتف الجوال، ومحطات الإذاعة، والبث التلفزيون، والحواسب الآلية، والأجهزة الكهربائية المنزلية. إصابات عالية ---------------- وأبان الشعلان أن المجالات الكهربائية التي تتولد وتنبعث من خطوط نقل القدرات الكهربائية (التي نراها محمولة على الأبراج) أصبحت تحظى باهتمام رئيس، وذلك عندما أصبحت الحاجة ملحَّة مع تعاظم حجم تلك القدرات الكهربائية المنقولة، وتباعد المسافات لرفع جهود نقل الطاقة الكهربائية تحسيناً للأداء وتقليلاً للتكلفة (ويعني ذلك أيضا توليد مجالات كهربائية أعلى)، ولذا ظلت الموجات الكهرومغناطيسية ذات الترددات شديدة الانخفاض (50 – 06 هرتز) وهي المستخدمة في أنظمة القدرة الكهربائية بمنأى عن الشك فلم تلق أي اهتمام حتى توالت الاحصائيات التي كشفت عن زيادة معدل المصابين ببعض الأمراض بين العاملين في تمديد الخطوط الهوائية التي تنقل الطاقة الكهربائية. الترددات المقننة --------------------- ولفت إلى أن الترددات المقنَّنة لنقل وتوزيع الطاقة الكهربائية بدول مجلس التعاون تقع في نطاق الترددات شديدة الانخفاض (50 – 60 هرتز)؛ فالتردد المقنَّن لدينا في المملكة هو 60 هرتز، وفي باقي دول المجلس 50 هرتز، وهذان الترددان هما الأكثر شيوعاً على المستوى الدولي، لهذا تركزت عليهما الغالبية العظمى من البحوث والتجارب لمعرفة التأثيرات الصحية للموجات الكهرومغناطيسية بترددات شديدة الانخفاض. أصابع اتهام ---------------- ويتابع: توالت البحوث والتجارب في كثير من البلدان والجهات وتوصلت إلى نتائج متفاوتة من حيث النفي والإثبات للتأثيرات الصحية للترددات شديدة الانخفاض، إلا أن هناك شعوراً عاماً بتوجيه أصابع الاتهام إلى الموجات الكهرومغناطيسية ذات الترددات شديدة الانخفاض بمسؤوليتها عن إصابة بعض الماشية التي ترعى أعشاباً تقع تحت أو على مقربة من خطوط نقل وتوزيع الطاقة الكهربائية ببعض التأثيرات والأعراض الصحية. الأبحاث الحديثة ------------------- وأشار الشعلان إلى أن الأبحاث الحديثة حولت الأنظار إلى المجالات الكهرومغناطيسية التي تتناسب مع تلك الجهود الفولتية العالية والتيارات الكهربائية المتولدة منها، وبالتالي تلك المجالات المغناطيسية والكهربائية المنبعثة من تلك الخطوط الناقلة. التأثيرات الصحية -------------------- وبالنسبة للحديث عن التأثيرات الصحية للمجالات الكهرومغناطيسية المنبعثة من خطوط النقل على الإنسان، يؤكد الشعلان أنه للآن لم يجزم أحد بأن التعرض لهذه المجالات لمدد طويلة، وتحت ظروفٍ أقل تحفظًا يمثل خطراً على الصحة، ولكن على الرغم من عدم انتظام وتواتر المعلومات المتوفرة وتناثرها حاليًا وملاحظة أن الحصول على نظريات وشواهد مترابطة ومحكمة تشرح المشاهدات وتفسر الملابسات مازال بعيد المنال؛ فإن الوجود المتشعب والمتزايد لهذه المجالات الكهرومغناطيسية يجعل التأثيرات المحتملة لهذه المجالات على الصحة من المواضيع ذات الأهمية الكبرى على المستويات العلمية والبيئية والثقافية والاجتماعية. قلق الأطباء ---------------- ويوضح أن القلق بدأ بملاحظات عفوية لبعض الأطباء، ولكنها حثت العلماء على البحث في العلاقة بين التمديدات الكهربائية واللوكيميا؛ حيث لوحظ احتمال الإصابة لدى الأطفال بشكلٍ كبير خاصة الذين يسكنون في منازل قريبة من المحولات ومحطات التوزيع، كما وجد في إحدى المدن الأوروبية بعد فحص لمدة 32 عاماً في سجلات الأطفال الذين توفوا بسبب اللوكيميا أن معظمهم ينتمون إلى أسر كانت تقطن في مساكن قريبة من تمديدات كهربائية تحمل تيارات عالية. ارتباط موجب -------------- أما بالنسبة إلى البالغين فيقول الشعلان: كشفت الدراسات عن وجود ارتباط موجب – وإن كان ضعيفًا- بين سرطان المخ والتعرض المهني للمجالات المغناطيسية، وتوالت الدراسات والبحوث التي أظهر بعضها علاقة التعرض المهني للمجالات المغناطيسية بحالات السرطان بما في ذلك سرطان الجهاز الهضمي والبروستاتا والمخ واللوكيميا، بينما نفى أو لم يجزم البعض الآخر في دراسات أخرى وجود مثل هذه العلاقة. تلوث كهرومغناطيسي ----------------------------- ويبيِّن الشعلان: الحقيقة أن موضوع التأثيرات الكهرومغناطيسية تثير جدلاً عالمياً نظراً لوجود كثير من الدراسات التي تؤكد أن مخاطر مثل هذه التأثيرات مبالغ فيها، لكن الأبحاث والدراسات الحديثة التي أجريت في كثير من بلدان العالم أكدت وبشكل قاطع أننا نعيش في عالم ملوث كهرومغناطيسيًا، ومرد هذا التلوث أسلاك الكهرباء ذات الضغط العالي، وأبراج الاتصالات الخلوية واللاسلكية، ومحولات الطاقة الكهربائية. مساحة آمنة ----------------- وأما السكن قريبها فيقول الدكتور الشعلان: بالنسبة لشبكات الجهد العالي (380 ك ف -220 ك ف – 120 ك ف) وكذلك الحال بالنسبة للجهد المتوسط (66 ك ف – 33 ك ف – 13 ك ف)، يبتعد عمرانياً عنها كلما أمكن ذلك (لا يقل عن 100 متر)، وهي لدينا موضوعة على أبراج عالية ومثبتة بقواعد خرسانية قوية بعكس بعض الدول الأخرى التي تكون على ارتفاعات منخفضة وتأتي أحياناً محاذية للجدران والمنشآت، فهي إذن عندنا آمنة بمشيئة الله. أما بالنسبة للجهد المنخفض (أي جهد التوزيع لدى المشترك) فلا خوف منه. تراجع في البناء ------------------ وعن مدى إقبال الأهالي على السكن بجوار هذه الأبراج أو إقامة مشاريعهم التجارية في بعض المخططات كمخطط 71، الدلة، الفيصلية المنيرة، يقول العقاري علي آل علي إن هذه المخططات تعرضت لانخفاض في الأسعار بنسبة 10 % كما كانت عليه سابقاً، وأن أسعار المتر فيها يتراوح بين 1350 – 1000 للمتر الواحد. إلغاء الأبراج ----------- وأرجع السبب في ذلك إلى خوف الناس من الإصابة بالأمراض السرطانية مشيراً إلى أن هناك من أوقف عملية البناء في تلك الأحياء، مطالبين بالنظر في إلغاء أبراج الضغط العالي، والتعاون مع المطورين العقاريين بتحويلها إلى خطوط أرضية، أو نقل تلك الأبراج بعيداً عن المخططات السكنية.