سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التبليغ في السعودية: جماعة دعوية آخذة بالانتشار.. رغم تحفظ المؤسسة الدينية .. و أحد أعضائها ل«الشرق الأوسط»: المكتسبون بالدين يحاربوننا.. ويتهموننا بعبادة القبور
نقلا عن الشرق الأوسط في أحد أرياف مدينة بريدة العاصمة الإدارية لمنطقة القصيم (شمال وسط السعودية)، جلس 3 من المنتسبين لجماعة تعرف باسم «الدعوة والأحباب»، فرع جماعة التبليغ العالمية، على فراش من الحصير، يظله سعف النخيل، وأخذ أحدهم زمام المبادرة في الحديث عن هذه الجماعة وطريقتها في الدعوة، والاتهامات التي تكال إليها، وتصويرها بأنها جماعة صوفية مبتدعة، من قبل الأوساط الدعوية المعارضة لها. فمنذ عام 1977، سجل الشيخ راشد الجدوع، أحد رموز جماعة الدعوة البارزين في السعودية، نفسه كأحد أفرادها، وحينها كان طالبا في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، لا يتجاوز من العمر 18 عاما. يقول راشد الجدوع، والذي وافق للحديث مع «الشرق الأوسط» خلال وجوده في مدينة بريدة، والتي تغص بالمنتسبين لهذه الجماعة والداعمين لها، كغيرها من المناطق السعودية، أن عملهم دعوي صرف، ويتسم بالبساطة. وينصب جهد هذه الجماعة الدعوية، على صناعة البيئة الإيمانية، ونقل الناس من الأجواء الغافلة، إلى الأجواء الإيمانية، على حد تعبيرهم. ولتحقيق ذلك، تعتمد جماعة الأحباب «الصحبة» كمبدأ في عملها، وفيه يتم خروج أفراد هذه الجماعة على شكل مجموعات، في ما يسمى ب«الرحلات الإيمانية»، حيث تتراوح فترة الخروج، بحسب الحالة الإيمانية لأفراد المجموعة، فيما تصل بعض فترات الخروج إلى 40 يوما. ويشير الجدوع إلى أن الرحلات الإيمانية عادة تكون في المنازل، ويتم خلالها القيام بزيارات للأقارب والجيران والزملاء، فإما أن نذهب إليهم أو أن يأتوا إلينا. وبحسب المعلومات التي أوردها الجدوع في حديثه ل«الشرق الأوسط»، فإن منشأ دعوة التبليغ نبعت من الهند، عن طريق محمد الياس، والذي يعتبر المؤسس والمجدد، وتوفي قبل أكثر من 60 عاما، وأول من حاربه الصوفية وأهل البدع، في نفي مبطن للتهم التي تواجه بها هذه الجماعة من الجماعات الدعوية الأخرى. جماعة «الدعوة»، أو «الأحباب»، أو «التبليغ»، تجد معارضة معلنة من قبل الكثير من الأوساط الدعوية في السعودية، وحتى المؤسسة الدينية الرسمية، لدرجة وصلت إلى «تبديع» هذه الجماعة، والطرق التي تتبعها في الدعوة. غير أنه وعلى الرغم من ذلك، فإن أعداد أفراد جماعة التبليغ والدعوة، ومن يؤمنون برموزها، آخذة في الانتشار. يشير راشد الجدوع، والذي قضى 32 عاما في جماعة «الدعوة والأحباب»، بأنهم يتعرضون لمحاولات تسعى لنقض جهدهم الدعوي. يقول «من ينقض جهدنا في الأشخاص هم من الذين لا يعرفوننا. نحن نجتهد على الإنسان حتى يستقيم. ونفاجأ أن هناك من خلفنا من يقول إن هؤلاء لديهم خرافات وبدع وعباد قبور وصوفية مبتدعة، والهدم سهل والبناء صعب». واعترف بأن الذي بينهم وبين غيرهم من الدعاة، هو أشبه ب«الحرب». وقال «من يعمل للدين بالاكتساب يحارب من يعمل للدين بالاحتساب». وبالرغم من ظهور جماعة «الأحباب» منذ فترة بعيدة في الأراضي السعودية، إلا أنها تفضل العمل في «الظل»، ولا يمكن أن يُعرف الشخص ما إذا كان ينتمي لهذه الجماعة أو لا، إلا في حال صرح هو بذلك. وطبقا لمقربين من هذه الجماعة، والطرق التي تتبعها في الدعوة إلى الله، فإن غالبية رموز هذه الجماعة هم من «التجار» و«المقتدرين ماليا». فالشيخ راشد الجدوع، والذي يسكن في أحد أحياء جنوب العاصمة الرياض، يحمل شهادة البكالوريوس في الإدارة الصناعية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، والتي فيها تعرف على هذه الدعوة، ومع ذلك فهو يمتهن «الأعمال الحرة»، وهو المصطلح الذي يستخدم هنا للإشارة إلى من لديهم تجارة ما. لكن هذا الأمر، لا يلغي كون الجماعة تعمل على عمليات استقطاب واسعة، لكافة الشرائح، وليست فقط الشريحة المقتدرة. وتنعكس القوة المالية، لجماعة «الدعوة والأحباب»، في طول مكوث أعضائها في الدول الغربية، لفترات طويلة. يقول الشيخ الجدوع، إن آخر زيارة كانت لهم إلى فرنسا أقاموا فيها لمدة 4 أشهر. وشملت آخر الزيارات التي قاموا بها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وسنغافورة، وغيرها. غير أن عضو الجماعة الجدوع، يقول إن زياراتهم الخارجية غير مكلفة، على اعتبار أن إقامتهم تكون في العادة بمساجد البلد الذي يقومون بزيارته، أو الإقامة لدى أفراد الجماعة في الخارج. ويعطي مزيدا من الشرح حول الزيارات التي يقومون بها لدول العالم، حيث يوضح بأنه يقوم باستقبالهم فور وصولهم هناك قدامى أعضاء جماعة التبليغ في أي بلد كان عربيا أو أجنبيا، ومن ثم يقومون بتعريفهم بالبلد، وتسهيل الالتقاء بالناس. ويؤكد الجدوع، الذي كان يرافقه في جلسة مناقشة «الشرق الأوسط» له، اثنان من أعضاء الجماعة، أحدهما كان يعمل ضابط إيقاع في فرقة الفنان التائب الراحل فهد بن سعيد، أن أعضاء جماعة «الدعوة والأحباب» السعوديين يلقون قبولا منقطع النظير لدى الجاليات المسلمة في الخارج، فهم يعتبرونهم «أبناء الصحابة»، آخذين في الاعتبار قداسة المكان الذي يقدمون منه، حيث مكةالمكرمة والمدينة المنورة. واللافت في دعوة جماعة التبليغ، أن من هم من «غير المسلمين»، يقعون في آخر اهتماماتهم. يقول الشيخ راشد «نحن لا نتحدث لا مع النصارى، أو الهندوس، أو البوذيين. نحن نهتم بعصاة المسلمين». ولا يتورع أفراد جماعة الأحباب، من الدخول إلى الحانات في البلدان الغربية والعربية للدعوة إلى الله فيها. يقول الجدوع «إذا كان صيدنا هناك فما المانع من ذلك. نحن نذهب إلى الناس في كل مكان». وينفي الجدوع صفة التنظيم عن جماعة الأحباب والدعوة، حيث يقول إنه ليس لها رموز معينة، إذ يظهر أثر أعضائها على الناس بحسب الخبرة فقط، وليس على أساس رمزية الأشخاص المنتمين لها. وطبقا له، فإنه «ليس لهذه الدعوة ارتباط بجهة رسمية، ولكنها نشاط عالمي تعاوني احتسابي وليس اكتسابيا، الكل يعمل فيها محتسبون وليسوا مكتسبين». وقال الجدوع، إن سر نجاحهم في الدعوة، هو أنهم يتعاملون مع الدين الإسلامي، معاملة الأب لابنه، يهتم به ويصرف عليه المال والوقت والجهد، وليسوا كغيرهم الذين يتعاملون مع الدين معاملة الابن لأبيه، وهي محبة ضعيفة بلا شك، مقارنة بالأولى. ولا تعتبر جماعة «الأحباب»، نفسها تنظيما له أبعاد خاصة. يقول الشيخ راشد الجدوع (50 عاما)، «عملنا دعوي صرف، ليس له بعد سياسي ولا بعد جهادي، فنحن لا ننافس الناس في مناصبهم ولكننا نجتهد لإصلاح الناس في مناصبهم. وهذا يعطي أمانا في السياسة». مستدركا «نحن لسنا ضد الجهاد، ولكن هو من اختصاص ولاة الأمر، فهم من يقيمونه». غير أن الجهاد، -على حد قوله-، له 13 نوعا، ومن الخطأ اختصار مفهوم الجهاد في الإسلام بأنه «حمل السلاح فقط»، فالإسلام انتشر في أندونيسيا وماليزيا وشرق آسيا وأفريقيا دون قتال، والمنطقة الوحيدة التي شهدت قتال الصحابة هي شمال أفريقيا، ولم يكن بالوحشية التي تمارس الآن. وتنتقد جماعة «الدعوة والأحباب»، انتشار التفسيق والتبديع والتكفير والتفجير في أوساط المسلمين. وتقول إن دعوتها كانت موجودة منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنها تتعرض إلى «مد وجزر، تغيب وتحضر». ويؤكد الجدوع هنا، أن جماعة التبليغ أصبح لها حضور عالمي كبير، بحيث إنه قلما تجد دولة في العالم ليس بها مركز للدعوة والأحباب. وحول المسميات المتفاوتة لهذه الجماعة الدعوية، أشار إلى أن المسمى يقع بين 3 خيارات، فإما «التبليغ»، أو «أهل الدعوة»، أو «الأحباب»، مشيرا إلى أن الهدف العام هو تغيير البيئة، لأنه من «الصعب تغيير الشخص وهو على المعاصي، فلذلك يتعين نقله من المعاصي إلى الطاعات ليتغير تلقائيا. كما أنه من الصعب أن نقول للمبتدع اترك بدعتك، وهو مع البدعة يعيش. فيترك هذه البدعة ويعيش بالسنة، فبضدها تتميز الأشياء». ورغم عدم معارضة أفراد الجماعة بالظهور في وسائل الإعلام، والتعريف بدعوتهم عبرها، غير أنهم يتحفظون على هذا الأمر كثيرا. يقول راشد الجدوع، إن السبب في ذلك يعود إلى عدم رغبة جماعة الأحباب بكشف الأساليب التي يستخدمونها في الدعوة إلى الله كي لا يستغلها الأعداء ضدهم على حد قوله. غير أن عالمية هذه الجماعة، تنسف ما يتحدث به الجدوع. يقول «نعم دعوتنا عالمية، ولكن يظل أنه لا يستطيع أن يفهمنا إلا من يعيش معنا. ونحن جهدنا ليس جهدا تثقيفيا أو ثراء فكريا، نحن نريد للإنسان أن يتغير، فنحن نريد ربط المسلم وقطعه. نريد ربطه بالجو الإيماني حتى يهتدي وقطعه عن الجو الغافل حتى يستقيم، ربط عن طريق الأخوة الإسلامية الإيمانية العالمية، عن طريق التعارف». ويضيف «زبدة الإسلام هو تعاونوا على البر والتقوى، فلا يكون التعاون إلا بعد التآلف، ولا التآلف إلا بعد التعارف، ولا التعارف إلا بعد التعايش»، في إشارة إلى مبدأ الصحبة الذي تعتمده الجماعة في طريقة الدعوة. وتقول الجماعة، بأن مبدأ الصحبة يأتي منطلقا من مرحلة هامة في الدعوة وهي التزكية. وتنقسم مراحل الدعوة إلى 3 أقسام وهي: التذكير والتزكية والتعليم. يقول الجدوع أمام ذلك، «موجود في الأمة الأول والأخير، ولكن مفقود الوسط، والتزكية تحتاج إلى مبدأ الصحبة لما تصحب الأمة علماءها ودعاتها تستفيد، أول شيء نذكر الإنسان، فإذا نشأ لديه الرغبة للهداية، يأتي مبدأ الصحبة، في تعزيز السلوك، وهذا لا يأتي إلا بالصحبة». وتقلل جماعة التبليغ من شأن اعتماد الدعوة إلى الله على التذكير والتعليم، دون مراعاة، مبدأ الصحبة، القائم على التزكية. ويفصل الشيخ الجدوع في هذه المسألة بالقول «نحن لدينا تذكير ليس بعده تزكية. فيتلاشى هباء منثورا، يسمع خطبة جمعة أو محاضرة ومن ثم يرجع للجو الغافل الذي أتى منه. ولدينا في الجانب الآخر تعليم ما يسبقه تزكية، وهذا لا يحمل صاحبه على التطبيق. فالإيمان هو القوة الدافعة، والعلم قوة ضابطة فقط». يقول الشيخ الجدوع «دعوتنا هي قائمة على أساس التزكية. تذكير الناس، ثم من استفاد منهم وأراد الهداية، يبدأ بالصحبة وهو أقوى مبدأ تربوي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم». هو يرى أيضا، بأن الخطبة أو المحاضرة لا تؤدي إلى الهدف المتوخى منها. ويضيف «الذي ينقصنا هو التزكية، فالعالم يلقي خطبته ويذهب إلى بيته، ولا يعطي فرصة لمن تأثر بها أن يصحبوه، ولهذا تتلاشى خطبته وتذكيره، أو كذلك في حال علم ناس وهم لم يتزكوا، فلا يمكن أن يطبقوا ما تعلموه». وبحسبه، فإن الانضمام إلى جماعة التبليغ، لا يتوجب هجرة الأسرة أو التفرغ، إذ إن الرحلات الإيمانية التي على إثرها يتغير سلوك الفرد لها وقت معين. يقول الجدوع «هذه الجهود تزيد الإنسان قوة ونجاحا في بيته وحياته الأسرية والكسبية والبيتية. الدعوة تزرع في قلب المسلم الطمع في هداية الآخرين، والطمع في هدايتهم تحمله على أن يعفو عن من ظلموه، ويعطي من حرموه، ويصل من يقطعوه، ويحسن إليهم إذا أساءوا إليه، فليس هناك خلق أكثر رفعة من الداعية». ويضيف أن الراغب بدخول الجماعة «يخرج عنهم (أسرته) لعلاج قلبه، ويعود إليهم بقلب سليم..». ومعروف عن جماعة التبليغ بأنها تعمل في مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على التزام الجزء الأول، دون الثاني. يقول الجدوع «الأمر بالمعروف هو نهي عن المنكر تلقائيا. فهدفنا كيف يتحول الإنسان من فاسد مفسد إلى صالح مصلح. نحن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر بطريقة عملية». وانتقد الداعية السعودي، التدين الذي كان عليه أفراد في الماضي، والذي وصفه ب«السطحي، ويخلو من العمق والوعي. كان فيه سذاجة». غير أنه يؤكد بأن التدين الحالي، ينم عن وعي وإدراك وعمق. ويرى في المقابل، بأن «الواقع الدعوي يدعو للتفاؤل، لأن الخير يزداد كما ونوعا في أهله، والشر يزداد كما ونوعا في أهله. وهذا مصداقا لحديث الرسول «في آخر الزمان يأتي للناس فتن، حتى يعود الناس على فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه». ويضيف أنه «في معسكر الشيطان الشر يزداد، وفي معسكر الرحمن الخير يزداد، لذلك نحن ندعو بأن ينسحب المسلمون من معسكر الشيطان كلية، ويدخلوا في معسكر الرحمن». ولا يقتصر جهد جماعة التبليغ في السعودية، على النشاط المحلي، إذ يقول الجدوع «نحن نضمن أي شخص يسافر إلى الخارج من خلال الشبكة العالمية، بأن نعطيه عناوين الدعاة في أي بلد في العالم، حتى نضمن أن الشيطان لا يصطاد المسلم في أي بقعة من العالم. فلدينا تأمين ضد الانحراف». ويؤكد أن الشبكة العالمية لجماعة التبليغ تقوم بإرسال دعاتها للعالم، في خطوة يرمى من خلالها إلى تصعيب طريقة القضاء على جهد الأحباب، على حد قوله. ويشير إلى أن دعوة التبليغ العالمية، لا تقوم على انتداب أو بند أو أشخاص معينين، فهم يستعينون بخريجي الجامعات والسجون على حد سواء.