"عوضًا من أن تصبح أكثر عزلة، برزت الحكومة الإسرائيلية في الوقت الراهن باعتبارها المستفيد غير المتوقع مما بعد الربيع العربي، حيث تلقى حاليًا تأييد قادة الأنظمة العربية المحافظة باعتبارها حليفًا في الكفاح المشترك ضد الإسلام السياسي". ذكر تحقيق نشرته نيويورك تايمز، وترجمته "نون بوست" على موقعها ، أن إسرائيل تقاتل المسلحين الفلسطينيين في غزة منذ أكثر من عامين، وفي كل مرة كانت تجد نفسها تحت ضغط من الدول العربية يجبرها على إنهاء القتال .. وهذا ما لن يكون هذه المرة، فبعد الإطاحة العسكرية بالرئيس المصري العام الماضي، قادت مصر ائتلاف من الدول العربية - بما فيها الأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - اصطف بشكل فعال مع إسرائيل في حربها ضد حماس (الحركة الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة)؛ مما ساهم في فشل التفاوض لوقف إطلاق النار حتى بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من إراقة الدماء. وقال "آرون ديفيد ميلر" وهو باحث في مركز ويلسون في واشنطن والمفاوض السابق في الشرق الأوسط للعديد من الرؤساء: "تخاف الدول العربية من تقوي الإسلام السياسي"، مضيفًا: "أنا لم أر أبدًا وضعًا مثل هذا، حيث لديك الكثير من الدول العربية تتغاضى على الموت والدمار في غزة وضرب حماس". وعلى الرغم من أن مصر تقليديًا هي الوسيط في أي محادثات مع حماس - التي تعتبر جماعة إرهابية من قبل الولاياتالمتحدة وإسرائيل - إلا أن الحكومة الحالية في القاهرة فاجأت حماس باقتراحها اتفاق لوقف إطلاق النار التقى مع معظم مطالب إسرائيل دون أن يستجيب لمطالب المقاومة الفلسطينية، ووصفت حماس بالمتعنتة عندما رفضت المقترح المصري، لتستمر القاهرة في إصرارها على أن اقتراحها لا يزال نقطة الانطلاق لإجراء أية مفاوضات. وتابع التحقيق أنه في حين انتقد المتعاطفون مع الفلسطينيين المبادرة المصرية واصفين إياها بأنها حيلة لإحراج حماس، أشاد حلفاء مصر بهذا المقترح، فاتصل الملك عبد الله عاهل السعودية بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليشيد بالمقترح المصري، وفي بيان لمكتب الرئيس المصري، الذي لم يلق باللوم على إسرائيل، تمت الإشارة إلى أنه "يتم في غزة سفك دماء المدنيين الأبرياء الذين يدفعون ثمن مواجهة عسكرية ليسوا مسئولين عنها". وقال "خالد الجندي" المستشار السابق للمفاوضين الفلسطينيين والذي يدرّس حاليًا في معهد بروكينغز في واشنطن: "من الواضح أن هناك التقاء مصالح لهذه الأنظمة العربية المختلفة مع إسرائيل، فمصر تحارب ضد قوى الإسلام السياسي وإسرائيل تحارب ضد النشطاء الفلسطينيين المنتمون للحركات الإسلامية". وأضاف التحقيق أن واقع الأمر، هو أن انتفاضات الربيع العربي قلبت كل التوقعات، فمنذ وقت قريب، توقع معظم المحللين في إسرائيل وواشنطن والأراضي الفلسطينية أن هذه الانتفاضات الشعبية ستجعل الحكومات العربية أكثر استجابة لمواطنيها، وبالتالي أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين وأكثر عداءً لإسرائيل، ولكن عوضًا من أن تصبح أكثر عزلة، برزت الحكومة الإسرائيلية في الوقت الراهن باعتبارها المستفيد غير المتوقع مما بعد الربيع العربي، حيث تلقى حاليًا تأييد قادة الأنظمة العربية المحافظة باعتبارها حليفًا في الكفاح المشترك ضد الإسلام السياسي. وألقى مسئولون مصريون اللوم على حماس بدلاً من إسرائيل بسبب مقتل الفلسطينيين، كما واصلت وسائل الإعلام الموالي للحكومة المصرية العمل ضد حماس باعتبارها أداة لمؤامرة إسلامية إقليمية لزعزعة استقرار مصر والمنطقة، وذلك هو الحال منذ الإطاحة العسكرية بالرئيس محمد مرسي المنتمى للإخوان المسلمين منذ سنة. مع العلم أن النيابة العامة المصرية اتهمت حماس بالتحريض على العنف في مصر، مما أسفر عن مقتل جنودها وضباط الشرطة، وحتى مساعدة مرسي وقادة الإخوان المسلمين في الخروج من السجن خلال انتفاضة 2011. كما أشار التحقيق الى أن الخطب النارية للإعلام المصري ضد حماس كانت شديدة لدرجة أن حكومة إسرائيل بثت البعض منها في غزة، وقالت "ميسم أبو مر" طالبة فلسطينية من مدينة غزة، في مقابلة عبر الهاتف: "الإسرائيليون تعودوا القول بأن أصدقاءنا المفترضين يشجعونهم على قتلنا"، مضيفة أن "بعض الموالين للحكومة المصرية قالوا، في البرامج الحوارية التي تبث في غزة، إن الجيش المصري يساعد الجيش الإسرائيلي للتخلص من حماس". وفي نفس الوقت، أثارت مصر غضب سكان غزة من خلال استمرارها في سياستها المتمثلة في إغلاق الأنفاق المستخدمة في التهريب عبر الحدود إلى قطاع غزة وإبقاء المعابر الحدودية مغلقة؛ مما أدى إلى تفاقم ندرة الغذاء والماء والإمدادات الطبية بعد ثلاثة أسابيع من القتال. وقال "صالح الحيريش" أمين مخزن في بلدة في شمال غزة ببيت لاهيا: "السيسي أسوأ من نتنياهو .. المصريون يتآمرون ضدنا أكثر من اليهود"، مضيفًا: "انتهوا من الإخوان المسلمين في مصر، والآن هم ذاهبون وراء حماس". مصر والدول العربية الأخرى، وخاصة دول الخليج (العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، تحالفوا مع إسرائيل لاشتراكهم في معارضة إيران، وهي القوة الإقليمية المنافسة التي لديها تاريخ في تمويل وتسليح حماس. وبالنسبة لواشنطن، فإن هذا التحول في المواقف يشكل عقبات جديدة في جهودها لإنهاء القتال، فعلى الرغم من أن وكالات المخابرات المصرية تواصل محادثاتها مع حماس، كما فعلوا في عهد الرئيس السابق حسني مبارك والرئيس محمد مرسي، فإن عداء القاهرة لحماس جعلها تشكك في فعالية هذه المحادثات، خصوصًا بعد عدم الاستجابة للمقترح المصري. واستنتج التحقيق أن هذا هو ما أدى الى تحول وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" إلى الدول الصديقة مع الإسلاميين - قطر وتركيا - كوسطاء بديلين، ولكن هذه الخطوة وضعت السيد كيري في موقف غير منطقي بالنسبة لبعض المحللين على أنه أصبح أقل عدائية لحماس وبالتالي أقل تأييدًا لإسرائيل من مصر أو حلفائها العرب. وبالنسبة لصقور إسرائيل، فإن هذا التغيير في الموقف العربي حررهم نسبيًا، حيث قال "مارتن كرامر" رئيس كلية شاليم في القدس والباحث الأمريكي الإسرائيلي حول الإسلاميين والسياسة العربية: "بصرف النظر عن حماس وقطر، فإن معظم الحكومات العربية هي إما غير مبالية أو على استعداد لإتباع القيادة المصرية"، مضيفًا: "لا أحد اليوم في العالم العربي يستطيع أن يقول للأميركيين اوقفوا هذا العدوان حالاً، كما فعلت المملكة العربية السعودية على سبيل المثال ردًا على القمع الإسرائيلي على الفلسطينيين في وقت سابق، وهذا يعطي فسحة للإسرائيليين". كما قال كرامر: "تعتقد الحكومة المدعومة من الجيش والمعادية للإسلاميين في القاهرة وحلفاءها، مثل السعودية، بأن على الشعب الفلسطيني تحمل المعاناة من أجل هزيمة حماس، إذ لا يمكن السماح لحماس أن تنتصر وأن تظهر اللاعب الفلسطيني الأقوى على الساحة".